على جبهة الدعم الساخنة.. مخاض لتحولات الحماية الاجتماعية.. الدولة تتحسس موازناتها والمستحق يتلمس رأسه
دمشق- علي بلال قاسم
بعدما بات حديث “الدعم” وحبكة إعادة التوزيع والسحب الجزئي لمظلة الحماية الاجتماعية مالئ دنيا المواطن وشاغل الرأي العام، يمكن القول: ما من قضية اقتصادية حياتية استحوذت على اهتمام الشارع السوري، كالتي نعيشها هذه الأيام منذ تحولات “اقتصاد السوق الاجتماعي” التي أطلقت في زمن “الدردري” إلى الآن، لترتفع الأصوات المعارضة والمتحفظة والأخرى المنتظرة والمترقبة بتوجسات اجتمع عليها القاصي والداني، وكلها تصبّ في خانة التخوف من تحوّل حيوي من هذا النوع الذي يلامس لقمة المواطن ودفئه وصحته وعافيته، ما يشكل حافزاً طبيعياً للشعور بخطورة خطوة لم تحصل منذ عقود طويلة، لا بل لطالما كان الحديث عنها والتطرق لها بمثابة الخط الأحمر، عند المسؤول والباحث والمراقب وحتى الفرد العادي.
“الهاشتاغ” الأكثر سخونة
وأمام زحمة الأخبار والتصريحات المتداولة والتي بطلها “وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك” محرك الملف ومفجر الحدث، راحت التداولات والأقاويل والتسريبات تتصاعد، ومعها ارتفعت حرارة جبهات القصف بالتهم والاحتراب الحواري الذي ساد أروقة العمل والحوارات والجلسات ومنصات التواصل الاجتماعي التي اشتعلت بكل صنوف الآراء والمواقف والتفسيرات والتوقعات التي أخذت طريقها للتداول والتناقل لتصل حدود التبني في أغلب الأحيان.
قد تكون يوميات التقنين الكهربائي الجائر وتأخر وصول “ماسج” الغاز والمازوت وحكايا الأسعار ملهاة يتشح النهار بها، ليتكفل الليل بإراحة المواطن الحائر تحت سلطان النوم تعباً أو مللاً أو حتى هرباً من وجع رأس التفكير بمعضلة تدبير الرأس اليوم وغداً.. وفي أحسن الأحوال لآخر الشهر، لأن الذاكرة المجتمعية لا تحتمل مزيداً من تخزين الهواجس والهموم التي لا تعرف طريقها للحلحلة في ظل معمعة وعجقة الضغوط الحياتية والمعيشية القاسية.
وحدها منصات التواصل الاجتماعي وصفحات الفيسبوك والتويتر وأخواتها لم تهدأ أو ترتح ليل نهار، حيث كان “الهاشتاغ” الأكثر سخونة عند كل الشرائح هو حديث الدعم، وما لفّ لفيفه من إطلاق التفاعلات والتعليقات ونشر الآراء والتصويبات وحتى تحريف التوجهات، والكل منشغل دون كلل أو ملل، في حالة غليان اجتماعية ليست مسبوقة، ولا يزيدها زيتاً على نار التفاعلات سوى الجديد الذي يطالعنا به الوزير “عمرو سالم” بين الحين والآخر عبر منشوراته الفيسبوكية أو تصريحاته وبياناته التوضيحية.
المُستثنى واللامُستثنى..!
أكثر ما يلفت الانتباه ليس الإجماع على التحفظ والتخوف والرفض، فالمسألة هنا واضحة في توجّه الرأي العام، ولكن ثمة جبالاً من الأسئلة وعلامات الاستفهام مرسومة في أعين وعلى جبين الناس والمتسع الأرحب لتفريغ المواقف والمشاعر هو الميديا والملتيميديا، وما يلفت الانتباه هو عمليات التفتيش والتنبيش في محركات البحث عن إجابات عن هوية الشرائح التي ستُحرمُ من الدعم التي سربت وثيقة حكومية قائمة بها، وفيها بعض الشرائح التي جعلت الكثيرين يتلمسون رؤوسهم خائفين من تشميلهم، وهؤلاء من الفئات التي تدور في فلك المتوسطة إلى الأعلى بهامش بسيط، بدّده تسجيل شريحة مالكي السيارات من موديل 2008 وما فوق، ومعها بعض المهن العلمية كالمحامين والأطباء والمهندسين، لدرجة جعلت معشر الصحفيين في موقف القائل “أكلناها”. في المقابل كان هناك سؤال لا نستطيع تجاوزه مفاده: هل الوزير والمسؤول ونائب البرلمان.. على سلم الإدراج في قائمة اللادعم السوداء، ولاسيما أن كثراً يتفقون على أن هؤلاء ممن وصفهم الوزير سالم نفسه أن فاتورة وجباتهم تفوق الـ25 ألفاً و75 ألف ليرة مثلهم مثل الأغنياء، لا بل يتفوقون عليهم حتى بنوعية السيجار الذي يفوق سعره رواتب مجموعة موظفين، مع فارق خطير أن المسؤول يحمّل الفاتورة على حساب وموازنة الدولة، أما رجل الأعمال أو الصناعي أو التاجر، فمن حرّ ماله، وبالتالي أليس الاثنان في خانة المكتنزين؟!.
حالة طبيعية
بالعموم ما تشهده الساحة السورية على جبهة “الدعم” هذه الأيام ليس غريباً بقدر ما هو حالة طبيعية لمخاض مؤجل منذ سنوات طويلة، إذ لطالما تألمت الدولة من حمل الدعم وحساباته وتكاليفه الموجعة، في وقت يعرف الجميع أن وقت الانسحاب من هذا الملف قادم لا محالة ولو بالقطارة أو على حياء وخجل، ولم تمر العقود الماضية دون أن يسجل الرأي العام موقفه الذي لم يضمره يوماً بأن “أعطني حصتي من الدعم “كاش”.. وسأتكفل بمعيشتي” طالما أن أذرع الدولة مازالت تعجز وتسجل الفشل تلو الفشل في كبح جماح الأسعار، هذا إذا لم نتطرق لتراكمات الفساد الهائل الذي ضرب أطنابه بحصصنا من الدعم التي تتآكل وتذوب في جيوب مثقوبه قبل أن تصل، حالها حال “دراما” الزيادات والمنح على الرواتب والمعاشات المرحومة وهي في رحم المالية قبل أن تولد ميتة!.