مطالبات عاجلة لتبني الأبحاث العلمية في الجامعات.. و”التعليم العالي” تحيلها لـ”الصناعة”
في وقت تسعى فيه بعض المنتديات الاقتصادية الرأسمالية حول العالم للتآمر على المكانة العلمية والبحثية لجامعاتنا لأهداف تصبّ في مصالحها، تتابع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، والهيئة العليا للبحث العلمي، خطوات متابعة المشاريع البحثية العلمية في مختلف جامعات القطر، واختيار الأبحاث التي يمكن تطبيقها مع كافة القطاعات، ومنحها الدعم الممكن بهدف تحقيق التنمية سواء التعليمية أو على كافة الصعد الاقتصادية والاجتماعية والخدمية، ولكن رغم هذا الحراك والنشاط يبقى للبحث العلمي شجونه وهمومه، حيث ما زال التطبيق العملي للأبحاث غائباً رغم أهمية الأبحاث وجدواها الاقتصادية!.
تحسين الواقع المعيشي
المشاريع البحثية التي تمّ تبنيها لهذا العام كانت ذات طابع استثماري، وتصبّ في خدمة التنمية الاقتصادية، ويأمل وزير التعليم العالي الدكتور بسام إبراهيم لو تمّ التركيز على أبحاث التنمية الاجتماعية كوننا أحوج إليها في هذا الظروف، جاء ذلك في حديث للوزير خلال حفل توقيع المشاريع البحثية التنموية الفائزة بالدعم المالي عبر الموازنة الداعمة للبحث العلمي للعام 2021، بين عدد من الجامعات وجهات عامة (المؤسّسة العامة للصناعات النسيجية، وهيئة الأوراق المالية) وعدد من جهات القطاع الخاص.
واستغرب الوزير قلّة عدد الأبحاث الفائزة لهذا العام، حيث اقتصرت على ستة أبحاث فقط في حين كان عددها يقدّر بالعشرات في الأعوام السابقة، ومع ذلك ما يهمّ –حسب قوله- هو النوع لا الكمّ، وأن يؤدي البحث الغرض المطلوب، مؤكداً أن منظومة البحث العلمي والجامعات والهيئات التابعة لمجلس الوزراء جميعها فريق واحد يعمل ضمن التوجّه الحكومي، مشدداً على إيلاء الاهتمام بالمواضيع المتصلة بتحسين الواقع المعيشي للمواطن، ودراسة كافة الأمور المرتبطة بها، وخاصة لجهة التركيز على أبحاث توليد الطاقات البديلة كون معظم معاناتنا الآن تتمحور في مواضيع شح حوامل الطاقة، وضعف المنظومة الكهربائية، مبدياً استعداد الوزارة لدعم كافة الأبحاث لطلاب الدراسات العليا، وخاصة في المجال التطبيقي سواء من صندوق البحث العلمي في الوزارة، أو من موازنة الهيئة العليا للبحث العلمي، إضافة للدعم الذي سيقدم من القطاع العام أو الخاص إذا كانا من الجهات المستفيدة من البحث.
قادرون على التصنيع.. ولكن!
وكان اللافت من ضمن المشروعات الفائزة مشروع لتصنيع ساحبة غازات ذكية للاستخدامات الكيميائية. وبخصوصه بيّن الدكتور سعود كدة مدير مشروع “قادرون” في جامعة طرطوس- كلية العلوم، أنه قام مع فريقه البحثي المؤلف من طلاب الكلية في المرحلة الجامعية الأولى (من السنة الأولى وحتى الرابعة) بدراسة الجدوى الاقتصادية لإنتاج هذا الجهاز لأهميته في كافة المخابر في الوزارات، معتبراً أن الفريق الشاب المدرّب هو القيمة المضافة الأولى من مشروعه بغضّ النظر عن المخرجات المتمثلة بإنتاج جهاز مخبري. وبحسب كدة يهدف الجهاز لحماية جو العمل والعاملين في المخابر والجو الكيميائي لاحتوائه على حساسات لانبعاثات كافة أنواع الغازات، ونظام تفاعل بصري في حال ابتعاد العامل عن المختبر، مؤكداً أن أبحاثه مع فريقه في المشروع تهدف لتصنيع منتج نهائي في مختبرات جامعة طرطوس، دون الحاجة لوجود مستثمر بحيث تنعكس الفائدة على رفع مستوى وترتيب الجامعة حتى عالمياً، بالإضافة للفائدة المالية التي ستنعكس على الجامعة والباحثين، وأنه سبق وأنتج مع فريقه جهازاً مخبرياً للتقطير، وتلقى عروضاً مالية وفنية لشراء الجهاز إلا أن ردّ وزارة التعليم العالي على الموضوع لم يصل بعد!، بحجة أن هناك مواد قانونية تمنع الجامعات من القيام بمشاريع ذات طابع اقتصادي، أو ربحي، أو تصنيعي، كما أن المكتب المهني في الوزارة رفض تبني المشروع، وسبق وأن أرسلوا للوزارة ملفاً علمياً لتصنيع جهاز منفسة مطابق للمواصفات الأمريكية مع مرفق 13 صفحة يؤكد رأي وزارة الصحة لمطابقة الجهاز للمواصفات الأمريكية، وأيضاً منذ العام 2020 وحتى الآن أيضاً لم تصل أية ردود من وزارة التعليم العالي رغم الحاجة للجهاز. واستغرب كدة سبب إصرار وزارة التعليم العالي لتحويل نتائج أبحاث المشروع إلى وزارة الصناعة، أو إلى المستثمرين في حين يمكن الاستفادة منها في دعم البحث العلمي والعاملين فيه.
نسقوا مع الصناعة
وزير التعليم العالي ورداً على مطلب مدير مشروع “قادرون” الدكتور سعود كدة بيّن أن الأجهزة الطبية التي تنتجها مراكز البحث تحتاج لاعتماد من وزارة الصحة، ومن قبل وزارة الصناعة- هيئة المواصفات والمقاييس، كما أن تصنيع الأجهزة الطبية، والمخبرية يدخل ضمن اختصاصات وزارة الصناعة، وأنه يفوّض رئيس جامعة طرطوس لبحث تصنيع منتجات هذا الفريق لديهم، ولم يوافق على قيام جامعة طرطوس بتصنيع منتجات أبحاثها، معتبراً أن ذلك لا يدخل ضمن اختصاصات الجامعات!.
تطويع وتعديل القوانين
رئيس الهيئة العليا للبحث العلمي الدكتور مجدي الجمالي يرى أن قلة المشاريع البحثية الفائزة مؤشر يجب ألا يُنظر له بسلبية رغم أنه ينمّ عن عدم وجود حافز كبير، أو عدم وجود دعم للمشاريع، لكن في الحقيقة هنالك العديد من الأبحاث التي قدمت للهيئة وتمّت غربلتها واستبعادها لأسباب عديدة منها ضعف البنية التحتية لدعم بعض المشاريع التي تحتاج لأجهزة، أو قلة القيمة المضافة للبحث. وطالب الجمالي بإنشاء وحدات بحثية لدى كافة الجهات العامة لكي تكون صلة الربط والوصل بين تلك الجهات والهيئة، مؤكداً إصرار الهيئة على تحقيق أهدافها رغم العوائق الكثيرة الناجمة عن الوضع الاقتصادي الراهن.
وعلق رئيس الهيئة على مطلب مدير مشروع “قادرون” بالقول: “يجب تعديل قوانين الوزارة، أو قوانين مجلس التعليم الحالي، وإيجاد صيغة تمكن الجامعات من إنتاج وبيع المنتج النهائي لأبحاثها، وتفعيل حصة الباحثين من مشاريعهم البحثية”، وهذا الأمر برأيه يتطلّب جرأة، وأبدى استعداده لمتابعة التنسيق الروتيني بين الهيئة والتعليم العالي ووزارة الصناعة لحلّ المشكلة.
مشاريع مهمة
تنوّعت المشاريع الفائزة حيث تضمن أحدها تجارب لتشغيل عنفات توليد كهربائية ريحية في مناطق الساحل السوري من خلال رفع سرعة الرياح بالتسخين كون الرياح ضعيفة لتدوير عنفات توليد الكهرباء في تلك المناطق.
ومشروع للتصنيع المحلي لأنزيم DNA ploymesare Pfu الخاص بتقنية PCR لاستخدامه في التطبيقات الطبية، والبحثية المتنوعة، ومخرجاته تأمين إنتاج مواد تكلفتها في السوق نصف مليار ليرة. وبيّن مدير المشروع أن البحث في الهندسة الوراثية هو مقياس لحداثة الدول، وأمل أن يكون بحثة هو شرارة البداية للعديد من الأبحاث البيولوجية للتمكن من تصنيع أنزيمات يتمّ استيرادها بسعر مرتفع رغم وجودها في سورية بسبب التكلفة العالية للحصول على المنتج النهائي، ولكننا اليوم بأمسّ الحاجة لها لتأمين حاجة السوق من مواد الكشف عن فيروس كورونا، ومن ثم التحول لتصدير المادة.
وبيّن الدكتور سليمان موصلي نائب المدير التنفيذي لهيئة الأوراق المالية، مدير مشروع اقتصادي يهدف لبناء مؤشر حوكمة للشركات المدرجة في سوق دمشق للأوراق المالية، أن هدف المشروع هو بناء مؤشر دقيق لتصنيف الشركات ذات الأداء المنضبط، والشفافية العالية، والمهيكلة بشكل جيد، بهدف تحقيق الفائدة للجهات البحثية، وللمستثمرين، وللسوق المالية عبر الكفاءة التسعيرية، وزيادة التنافسية بين الشركات.
بالمجمل كلها أبحاث مهمّة وتحتاج للتطبيق والاستثمار بما يحقق الفائدة المرجوة منها، والتي ستنعكس على تطوير المنتج الوطني، ودعم الباحث أيضاً، فبعد اليوم ليس مقبولاً أن تتكدس الأبحاث العلمية المميزة في الأدراج ونحن بأمسّ الحاجة لتطبيقاتها العملية.
بشار محي الدين المحمد