أوروبا في مواجهة جائحة كورونا الجديدة
ريا خوري
بدأت الدول الأوروبية معركتها في مواجهة الموجة الخامسة من فيروس (كورونا) الذي اجتاح القارة بكاملها، حيث وجّه هذا الفيروس ضربات قاصمة لهذه الدول بعدما اعتقدت أنها استطاعت حصر الوباء والحدّ من تفشيه، لتفتح اقتصاداتها وحدودها وتستأنف نشاطها التجاري ونشاطها الواسع في التبادل الاجتماعي والثقافي والمعرفي، وتخفّف الإجراءات إلى الحدّ الممكن، لتكون ذلك الثغرة التي ولج منها الفيروس ليحول القارة الأوروبية بكاملها إلى بؤرة للجائحة.
الجدير بالذكر أن منظمة الصحة العالمية كانت قد حذّرت من أن القارة الأوروبية عادت مرة أخرى لتصبح بؤرة لتفشي الوباء، وانتشار الفيروس بطريقة غير معهودة. وكانت منظمة الصحة العالمية قد أكدت غير مرة أن القارة الأوروبية قد تشهد نصف مليون حالة وفاة جديدة بحلول شهر شباط القادم عام 2022، بينما الإصابات اليومية وصلت في أعلى مستوياتها منذ انتشار الفيروس مطلع 2020، وأرجعت سبب هذه الكارثة الخطيرة إلى عدم رفع عدد حالات التطعيم بالشكل الكافي للمواطنين، إضافة إلى التفاوت الكبير جداً بين الدول في نسب التلقيح. فبينما حصل نحو ثمانين في المئة في إسبانيا على جرعتين من اللقاح، لا يزال معدلّ التطعيم في فرنسا أقل بكثير، مسجلاً نحو ثمانية وستين في المئة، وكذلك في ألمانيا التي سجّلت ما نسبته ستة وستين في المئة فقط، لذا فإن الإصابات في جميع أنحاء القارة الأوروبية ارتفعت بشكل كبير خلال الأسابيع الأربعة الماضية، حتى وصلت إلى نحو خمسة وخمسين في المئة، على الرغم من وجود اللقاحات المتنوعة الإنتاج.
إن انتشار الفيروس وصل إلى مستوى الجائحة التي بات من الصعب محاصرتها والتخلّص منها ومن عقابيلها، لذا فإن معضلة هذا التفشي تأتي في ظل العديد من المشكلات التي تحيط بالقارة الأوروبية على كافة الصعد، بدءاً مما خلفه فيروس كورونا من اقتصادات منهكة وانتشار كبير وغير مسبوق للبطالة والفقر، وخسائر مالية فادحة بالمليارات، مروراً برفض الناس للإغلاق الجديد ومحاولات العزل والحجز التي بدأت تعود إليها الدول وتفرضها بقوة القانون، لأن تطبيقها من جديد يزيد من خنقهم ويراكم مأساتهم ومصاعبهم وآلامهم في ظل عدم اليقين النهائي حول مستقبلهم المعيشي والوظيفي وانتشار الغلاء الفاحش بين البلدان الذي أصاب قوتهم واحتياجاتهم الضرورية، وليس أخيراً بالأزمات السياسية الحادة جداً التي أصبحت لا حصر لها، كالصراع الأوروبي مع جمهورية روسيا الاتحادية في قسمها الغربي، ومشكلة المهاجرين العالقين على الحدود البولندية، وغيرها، إضافة إلى الخلافات البينية بين الدول التي من شأنها إضعاف طاقات التكتل في مواجهة الجائحة التي تعدّ التحدي الأبرز التي تعاني منها القارة الآن.
على الرغم من السعي الأوروبي الحثيث لوضع خطط للتعافي لما بعد كورونا، ووضع ميزانية ضخمة لدعم الدول المتضررة، وخاصة بعد وضع صعب جداً وهشّ للغاية، وتحقيق بعض الدول نمواً ما، وإن كان محدوداً، فإنَّ هذه الموجة الجديدة تهدّد كل الجهود الكبيرة المبذولة التي حاول التكتل تجاوزها في الأسابيع القليلة الماضية بعد ارتفاع نسب التضخم المالي الكبير، والاضطرابات المتعلِّقة بسلاسل التوريد التي يعاني منها العديد من الاقتصادات العالمية.
الأمر هنا لم يتوقف عند هذا الحدّ، فقد أُعلن مؤخراً عن متحور جديد مصدره جنوب إفريقيا ووسطها، لتلجأ الدول الأوروبية إلى مضاعفة القيود والحواجز والإغلاقات، ومنع السفر جواً وبراً وبحراً إلى العديد من دول القارة الإفريقية، وقد اقترحت المفوضية الأوروبية تعليق الرحلات القادمة من جنوب القارة الإفريقية، بسبب رصد المتحور الإفريقي الجديد، لتتراكم المشكلات وتتكدس مرة أخرى على القارة الأوروبية التي أصبحت منهكة جداً في أكثر من صعيد.
إن حجم المعاناة التي تعاني منها القارة الأوروبية تدفع باتجاه تجنّب الخلافات البينية، وإطلاق خطط دعم فعّالة لمساعدة عدد من الدول الأوروبية التي تكون في أمسّ حاجة إليها، وعدم التهاون أبداً في محاربة فيروس كورونا وتحوراته، وتشكلاته، لأن ذلك كفيل بإبقاء الأمور على سوئها وتخلفها، كما تحتاج أوروبا إلى وضع موازنة مالية ضخمة جداً بين التصدي للجائحة والتصدي لحالة انتشارها الخطير، والانفتاح الاقتصادي المتدرّج المحسوب بدقة وبطرق علمية، كي تخرج القارة الأوروبية بأقل خسائر ممكنة.