آليـات تغـييـر النظـام الـدولـــي وتميز « الحالة السورية »!…
د. مهدي دخل الله
قراءة سريعة لعملية تغيير النظام الدولي وآلياته تثبت موضوعياً أن
«الحالة السورية» غير مسبوقة . فنظام العلاقات الدولية يتغير شكلاً ومضموناً عندما تنتهي ظروف النظام القائم وعوامله ، أي عندما تنتهي مشروعيته التاريخية ..
منذ الحرب العالمية الثانية شهد العالم أنماطاً لنظام العلاقات الدولية ، الأول هو التحالف بين الاتحاد السوفيتي من جهة ، وأمريكا وبريطانيا من جهة أخرى ، وهو التحالف الشهير ضد ألمانيا النازية واليابان . النمط الثاني هو النظام ثنائي القطب الذي ساد منذ بداية الخمسينيات حتى نهاية الثمانينيات ، حيث انتظمت أوروبا في معسكرين متقابليْن ومتنافريْن ، معسكر أمريكا ومعسكر الاتحاد السوفيتي . النمط الثالث هو أحادي القطب الذي ساد منذ نهاية الثمانينيات حتى ظهور «الحالة السورية» ، عام 2011 ، حيث اتخذت روسيا في مجلس الأمن أول فيتو منذ انهيار الاتحاد السوفيتي معلنة بذلك بداية نهاية القطب الأوحد .
هذا عن الأنماط الثلاثة .. أما آلية التحول من نمط إلى آخر فكانت واحدة قبل عام 2011 . كل موت لنظام و ولادة آخر بحاجة إلى ( مستشفى ) يموت فيها الأول ويولد الآخر . المستشفى هي بؤرة إقليمية تنفجر فيها التناقضات وتتمركز التوجهات.
كانت شبه الجزيرة الكورية بؤرة الانتقال من نظام التحالف ضد النازية إلى ثنائي القطب . حصدت الحرب هناك مليون ونصف المليون إنسان ، وكانت النتيجة أن نظاماً جديداً تمت ولادته ، لكن ( المستشفى ) انهارت وانقسمت كوريا إلى قسمين متعادييْن . والشعب الكوري الواحد ما زال منقسماً حتى الآن منذ سبعين عاماً .
بؤرة التحول من ثنائي القطب إلى أحادي القطب كانت يوغوسلافيا وسط أوروبا . اندلعت حرب هناك وحصدت أكثر من مليون إنسان . النتيجة كانت تقسيم يوغوسلافيا إلى ست دول متواجهة ، بعضها دخل في عضوية الناتو ، وبعضها اتجه نحو علاقات مع روسيا . وما زال الشعب اليوغسلافي منقسماً حتى اليوم ..
مع «الحالة السورية» ظهر أمر جديد .. واجهت سورية حرب التحول من أحادي القطب إلى متعدد الأقطاب مواجهة فريدة قائمة على أمرين : وحدة وطنية واضحة وتماسك بين الدولة – خاصة مؤسسة الجيش – والشعب . النتيجة أن ( البؤرة ) لم تصبح ضحية يتم تقسيمها ، كما في البؤرتين الكورية واليوغسلافية ، وإنما ظهرت عاملاً مشاركاً في عملية التحول وليس مادة لهذه العملية ..
النتيجة واضحة .. سورية شريك إقليمي قوي في صياغة النظام العالمي الجديد وليست الضحية الأساسية مثل كوريا ويوغسلافيا .. هذا هو جوهر التميز المعاصر للشعب السوري الذي يضاف إلى تميزه التاريخي .