عملية باب السلسلة الفدائية….. الموت خرج من باطن الأرض
البعث الأسبوعية- محمد نادر العمري
رغم مرور ما يقارب من الأسبوعين على العملية البطولية التي نفذها الشهيد فادي أبو شخيدم والذي يبلغ من العمر (42 عاماً) في المنطقة الواقعة ضمن محيط باب السلسلة بالبلدة القديمة في القدس المحتلة، وأدت لمقتل جندي إسرائيلي، وإصابة مستوطن وشرطيين آخرين،لا تزال شرارة العملية البطولية تتناثر في كل مكان داخل الكيان المغتصب، وضمن مختلف المستويات وبخاصة الداخلية منها, لتشعل معها المخاوف والقلق من “سيناريو الرعب” الذي حذرت منه قيادات سابقة في جيش الاحتلال، والذي بات يقترب كثيراً في الآونة الأخيرة.
لقد باتت قضية “أبو شخيدم” الفدائية هي المسيطرة على الساحة الإعلامية “الإسرائيلية” ولها نصيب الأسد وتتمايز عن باقي الملفات التي وضعت على الطاولة الأمنية والسياسية، خاصة في ظل مخاوف الاحتلال التي تكبر يوماً بعد يوم من أن تتحول إلى نقطة فارقة في الأوضاع الأمنية في القدس وامتدادها المحتمل إلى الضفة الغربية، وإشعال “هبة الكرامة 2” التي باتت قريبة والتي ستشكل نقطة تحول أكثر من سابقتها التي حصلت بداية العام الحالي ، خاصة إن هذه العملية الفدائية البطولية كشفت وجوداً لإحدى حركات المقاومة المتمركزة في غزة داخل مدينة القدس وربما هذا التواجد هو ليس محصوراً أو محتكراً على حركة واحدة بل تكون هناك نمو وتواجد لحركات أخرى تشكل رعباً للصهاينة، ولاسيما إن هذه الحركات و رغم كل ما بذلته دولة الاحتلال في الأعوام الأخيرة من إجراءات واحترازات، لم تحول دون تنفيذ عمليات استشهادية وفدائية داخل القدس.
الصحف الصهيونية التي تعكس مزاج المستوطنين من جانب وتكون عادة قريبة من النخب السياسية والحزبية والأمنية من جانب ثاني، عبرت عن هول الواقعة الاستشهادية وأثرها، حيث عنونت صحيفة “معاريف” في اليوم الثاني للعملية الاستشهادية ما يلي : “صباح يوم الأحد (21/11/2021) تاريخ لن يسجل كباقي الأيام في الأجندة الإسرائيلية، بل سيكون له ذاكرة من نوع خاص، قد تغير كافة القواعد الأمنية والاستخباراتية التي كانت تضعها دولة الاحتلال لضبط وتشديد الخناق والحصار على مدينة القدس”. في حين تضمنت المقدمة الإخبارية للقناة العاشرة فقرة واحدة وهي : ” ما جرى في هذا اليوم، وما تم سماعه ومشاهدته من خلال الصور والفيديوهات التي انتشرت ووثقت الصراخ والهلع والهروب وأصوات الرصاص التي رافقت العملية التي نفذها فلسطيني قرب أحد أبواب المسجد الأقصى ، وأسفرت عن مقتل شرطي إسرائيلي وإصابة 3 آخرين، أذهل إسرائيل بمختلف أجهزتها، وجعلتها تبحث عن جواب لسؤال واحد فقط.. ماذا جرى؟ وكيف؟.”
يؤكد ما سبق، أن الكيان الصهيوني وأجهزته الأمنية والعسكرية والاستخباراتية، قد سعت منذ وقوع القسم الشرقي لمدينة القدس تحت سيطرة الاحتلال الصهيوني بعد عدوان حزيران 1967، على إحكام قبضتها الأمنية داخل المدينة بأكملها بشطريها الشرقي والغربي، وسارعت لخدمة هذا الهدف إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات والممارسات القمعية والاستبدادية بحق الفلسطينيين المتواجدين هناك أو الراغب في دخول المدينة – إن سمح لهم بزيارة المدينة والدخول إليها- حيث أقامت الحواجز الأمنية في كل الشوارع العربية بشكل مكثف، ونشرت الأدوات التكنولوجية لمراقبة المناطق، ووسعت المستوطنات بهدف تهويد المناطق وضيقت على عرب 48 بكل شكل التضييق والإغراء لترك منازلهم، وفرضت الغرامات المرتفعة بحقهم على شكل ضرائب، وبنت الجدار العازل وحصنته بخرسانات اسمنية ومسلحة لاعتقادها أنها ستجسن الفلسطينيين وتمنعهم من دخول القدس، ومع ذلك بات المشهد بعد العملية مؤكداً لما أطلقته “هّبة الكرامة” بداية العام الحالي، بأن كل الإجراءات الصهيونية لن تغدو سوى إجراءات خلبية أمام إرادة المقاومة.
وتأكيداً لهذه الإرادة فإن التقديرات الأمنية والعسكرية “الإسرائيلية” سارعت لتؤكد بأن هذه العملية البطولية لن تكون الأخيرة، بل ستشكل نواة لعمليات ثانية متلاحقة وذلك بسبب مروحة من الأسباب والعوامل:
- أولاً: حركات المقاومة في غزة أصبحت اليوم تتبنى نهج قوامه دعم الهجمات في القدس والضفة، وتعمل للحفاظ على حالة الهدوء غير المسبوقة في قطاع غزة، منذ العدوان الأخير في أيار الماضي والتي سميت “حارس الأسوار”، وخاصة أن حركات المقاومة تستند إلى إحداث خرق في القدس والضفة بعدما تمكنت من ترسيخ قواعد الاشتباك في غزة هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لتخفيف الضغط على غزة عسكرياً، ومن جانب ثالث لتحسين موقعها التفاوضي فيما يتعلق بإيصال المساعدات و الأموال والدعم لإعادة إعمار مدينة غزة نتيجة العدوان الأخير وما سبقها من اعتداءات عدوانية متكررة وحصار أدت لتأكل البنية التحتية وغيبت مقومات الحياة في القطاع.
- ثانياً: سعي الفصائل المقاومة لأن تشهد مدينة القدس والضفة الغربية نشاطاً مقاوماً يزيد من الحراك العربي في تلك المدينتين لإرباك الصهاينة وجعلهم في موقع دفاعي وليس هجومي، على غرار ما حصل أثناء “هّبة الكرامة”، حيث تمكن السكان الفلسطينيين في داخل الأراضي المحتلة من مهاجمة طرق رئيسية بالقرب من منشآت حساسة بما في ذلك القواعد العسكرية ومن بينها أكبر قواعد القوات الجوية، إلى جانب محاولة ضرب عربات مصفحة للجيش الإسرائيلي واستهداف مركبات الإسرائيليين. وهو ما خلق مخاوف صهيونية حقيقية على المستوى العسكري والأمني من أن هذه الظاهرة ستشتد في الحرب المقبلة وستشمل محاولات حقيقية لتعطيل حركة القوات الإسرائيلية، وسد الشرايين الرئيسية التي يستخدمها في الحروب وربما يتم تنفيذ عمليات تسلل إلى القواعد بهدف الإضرار بالجنود الإسرائيليين وتخريب المعدات الحساسة. وقد سرب “موقع والا” عن ضابط إسرائيلي كبير رأيه في ذلك بالقول: “نحن نركز على الهجوم لكننا قد ندفع ثمناً باهظاً للدفاع وهو ما سيعطل خططنا الهجومية”.
- ثالثاً: نشر الرعب والخوف وصولاً لإحداث ضعف في البنية الداخلية للكيان الصهيوني، حيث من المعلوم إن أحد قواعد القوى التي اتسم بها الكيان هو قدرته خلال العقود الستة الأولى من زرعه في المنطقة على القيام بالحروب والاعتداءات خارج الأراضي المحتلة، ولكن بعد عدوان تموز 2006، انعكست المقاربة وظهرت حقيقة الهشاشة الداخلية التي طالما سعى الصهاينة على إظهار وحدتها، وبات الداخل “الإسرائيلي” يتأثر بأي حدث أمني صغير أو كبير، حيث سجلت نتيجة ذلك هجرة عكسية متفاوتة، كشفت كذب الكيان الغاشم, وخاصة إن هذه العملية البطولية من شأنها أن تزيد من عمق الانشراح الحاصل بين المستوطنين والأجهزة الأمنية والاستخباراتية, بعد فشل ما تتغنى به من قدرات تفوقيه.
بالتأكيد هناك الكثير بعد من الدوافع والأسباب والنتائج لهذه العملية البطولية، فالحالة النفسية اليوم وعامل المعنويات له دور في أي صراع قائم، ولعل أبرز الأمثلة على ذلك حالة الهلع في الشارع الإسرائيلي بعد ثلاث أيام من عملية “أبو شخيدم” نتيجة تفسخ الإسفلت في أحد شوارع القدس, مما دفع البعض للقول والصراخ بأن الموت خرج من باطن الأرض.