تدفق الحياة في معبر “نصيب” تصيب تجارة المنطقة بالانتعاش
البعث الأسبوعية – علي بلال قاسم
أثبتت الأجندة الميدانية التي انتهجتها الدولة السورية في جغرافية محافظة درعا مؤخراً – عندما جنحت إلى خيار السلم الاستراتيجي – أن ثمة منعكس اقتصادي حتمي وآني الظهور منذ اللحظات الأولى لبدء سريان الاتفاق الحكومي مع الفصائل المسلحة، ليبرز العنوان الأهم والمعول عليه المتجسد بتدفق الحياة على الحدود الأردنية السورية لغايات تنشيط الحركة التجارية والسياحية بين البلدين، مع مراعاة الإجراءات الأمنية والصحية المطلوبة”، ما يمثل دليل عافية يترصدها التاجر والصناعي والمستهلك معاً، ولاسيما مع تبني دائرة الإحصاءات العامة في الأردن بيانات تقول بأن إجمالي حجم المستوردات من سورية خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري، 29.5 مليون دينار مقارنة مع 20.2 مليون دينار خلال الفترة نفسها من العام الماضي، في وقت زادت الصادرات الوطنية الأردنية إلى سورية إلى 36.8 مليون دينار من 22.7 مليون دينار خلال فترة المقارنة نفسها.
لا يخفى على أحد أن إعلان إعادة فتح المعبر الحدودي “نصيب- جابر”، لاقى أصداء إيجابية بين أوساط سائقي النقل والشاحنات المبردة في سورية، كما التجار والمصدرين والمزارعين السوريين، بما يشكله المعبر من أهمية اقتصادية لدول المنطقة، حيث كان لجعجعة الاجتماعات الوزارية السورية الأردنية التي رافقت الخطوة في عمان طحيناً أبيضاً وجلياً، عندما اشتغل الطرفان على تحريك ملفات من شأنها تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين في مجالات التجارة والنقل والكهرباء والزراعة والموارد المائية، ليصل النقاش إلى عمق مسألة فتح المنطقة الحرة الأردنية السورية المشتركة.
عهود الإغلاقات ولت
اليوم ومع استكمال فصول اتفاق المصالحة وبنود التسويات يمكن القول بأن عهود الإغلاقات الحدودية قد ولت إلى غير رجعة، بعدما تم إغلاق المعبر لأكثر من مرة خلال سنوات الحرب تبعاً لتطورات الأوضاع في درعا، التي انخرط أهلوها بركب الوطن مقفلين الباب على الأجواء الساخنة التي اتسمت بها المحافظة، وبالتالي راحت الطمأنينة تفعل فعلها، ما يعني أن مسببات وموجبات إبقاء المعبر مفتوحاً أمام تدفق الشاحنات والسلع أصبحت من الديمومة بمكان لدرجة بات المواطن في كلا البلدين يشعر بنوع من الانتعاش ولو كان نسبياً بعض الشيء، إلا أن الأمل كبير بقادمات الأيام، إذ توضح جمعية النقل المبرد: “نستطيع القول إنه إذا كان لدينا 10 آلاف شاحنة فهناك أكثر من 200 ألف شخص يستفيدون من تشغيلها مع ما يعنيه ذلك من تنشيط للحركة الاقتصادية بين الدول ونتمنى الوصول إلى اتفاق بين الجانبين السوري والأردني لإلغاء الضريبة والرسوم ولتسهيل حركة النقل البينية وكذلك باتجاه دول الخليج”.
تحسن حركة الشحن
في هذه الأثناء تأتي التقارير من المعبر عن تحقيق إيرادات بـ84 مليار ليرة منذ بداية العام الجاري، تشتمل على الرسوم الجمركية للبضائع التي تمر عبر نصيب والغرامات المالية لتسوية المخالفات والقضايا التي يتم تنظيمها، منها ما يعود لضبط مخالفات عبر الكشف الحسي، ومنها مخالفات تعود لحالات تلاعب ببعض المرفقات والبيانات القادمة مع البضائع الواردة يتم ضبطها عبر عمليات التدقيق في هذه البيانات والتأكد من سلامتها.
ومع ذلك تشهد حركة الشحن تحسناً مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، إذ قدر مصدر مسؤول في الجمارك السورية لـ “البعث الأسبوعية” عدد الشاحنات التي تعبر منفذ نصيب الحدودي مع الأردن بحدود 200 شاحنة يومياً في الاتجاهين (مغادرة ودخول)، ويغلب على البضاعة المغادرة الخضار والفواكه وعدد من الصناعات منها البلاستيكية، في حين تتركز معظم حمولات الشاحنات القادمة من الأردن على البطاريات وألواح الطاقة وبعض المواد الأولية التي تدخل في الصناعات المحلية.
وأشار المصدر إلى تحسن في حركة الشحن مع الأردن خلال الفترة المقبلة على التوازي مع التسهيلات التي تقدم على جانبي المعبر في البلدين، خاصة أن معبر نصيب يمثل بوابة مهمة وفي شحن الصادرات السورية باتجاه العديد من الدول وأهمها بعض دول الخليج.
دعم لوجستي حكومي
وأمام آمال عريضة من هذا النوع سارعت رئاسة مجلس الوزراء لتوجيه إدارة معبر نصيب بالإسراع في تأهيل وترميم مباني وساحات المعبر، حيث يتم حالياً العمل على دراسة المباني وتقييم الأضرار وتقدير كلف الترميم والمدة الزمنية التي يتطلبها تأهيل المباني والمنشآت في المعبر، وذلك للإسراع في توفير كل الخدمات التي تحتاجها حركة تنقل الأفراد والبضائع بين البلدين، خاصة أن هناك تعويلاً كبيراً على تحسن حركة التبادل التجاري مع الجانب الأردني خلال المرحلة المقبلة ولذلك لابد من تهيئة كل مستلزمات العمل في المعبر من تأهيل البنية التحتية (كهرباء ومياه وغيرهما)، إضافة للخدمات والتجهيزات التقانية والفنية وأجهزة الحواسيب والربط الشبكي بما يسهم في سرعة وجودة الخدمات التي يمكن تقديمها ومنها تهيئة وتجهيز صالات المسافرين والساحات الخاصة بالشحن والمرافق التابعة لها.
وتذكر التقارير التنفيذية أنه تم تجهيز عدد من أعمال التأهيل والصيانة خلال الفترة الماضية منذ عودة معبر نصيب للعمل بعد توقفه خلال السنوات الماضية بهدف تحسين الخدمات المقدمة ضمن خطة عمل واسعة تم العمل على تنفيذها من قبل إدارة الجمارك بهدف تبسيط الإجراءات وتسهيل حركة المرور للشاحنات والأفراد مع الجانب الأردني وخاصة حركة التبادل التجاري.
وتعمل إدارة المعبر – وفق مصادر الجمارك – على تقديم كل التسهيلات الممكنة لدعم حركة الصادرات المسموح بها على التوازي لتأمين كل شروط السلامة العامة والوقاية من فيروس كورونا حيث يتم تطبيق كل الإجراءات الاحترازية.
كلام طازج
من جهته بيّن رئيس اتحاد غرف التجارة السورية محمد أبو الهدى اللحام أن المعبر يعتبر شرياناً مهماً للبلدين. فعندما زار وفد من اتحاد غرف التجارة السورية الأردن مؤخراً أكد الجانب الأردني أن افتتاح المعبر وتسهيل حركة البضائع عبره سيكونان في مصلحة البلدين، وأن عمليات المناقلة للبضائع بين السيارات عند الحدود كانت تتم سابقاً، لكن نتيجة جهود بذلت من الجانبين تم التغلب على هذا الموضوع وإلغاء المناقلة واليوم تعبر الشاحنات المحملة بالبضائع الحدود إلى مقاصدها من دون تغيير الناقلة، وهذا الأمر تم بناء على مطالب مكاتب الدور، منوهاً بأن مصلحة سورية في الوقت الحاضر افتتاح هذه الحدود وإلغاء كافة العقبات ومنها المناقلة وألا تتوقف السيارات عند الحدود أبداً. ولفت إلى أن هناك اتفاقيات تبادل حر بين البلدين وإعفاءات وغيرها واليوم تم السماح لحوالي 25 صنفاً تقريباً بالاستيراد من سورية والجانب الأردني وعد بأن الأمور ستتحسن تدريجياً، مبيناً في الوقت نفسه بأن لدى الأردن إنتاجاً قريباً من الإنتاج السوري وهم يعرقلون قليلاً حركة البضائع عبر الأردن من أجل أن يدعموا صادراتهم وهذا الأمر هو عبارة عن حالة مؤقتة.
وأوضح نائب رئيس لجنة التصدير في اتحاد غرف التجارة السورية فايز قسومة أن إعادة افتتاح المعبر تساهم بتنشيط الصادرات، وأشار إلى أن حركة العبور عبر المعبر تعتبر جيدة حالياً وليس هناك أي عقبات بهذا الخصوص وسيكون هناك حركة عبور أكبر للبضائع عبر المعبر خلال الأيام القادمة.
خير “نصيب” الإقليمي
في الجانب المقابل تأتي إشارة نقيب أصحاب شركات التخليص ونقل البضائع في الأردن ضيف الله أبو عاقولة المتعلقة بارتفاع ملحوظ في حجم البضائع التي تعبر المملكة إلى سورية من ميناء العقبة، وكذلك من دول الخليج، كدليل على تطابق وتناغم الأدوار بين الجانبين السوري والأردني، حتى مع وجود بعض المعيقات في عملية نقل البضائع.
وبالرغم مما يشكله المعبر من أهمية اقتصادية لدول المنطقة، إلا أن بعض الإجراءات والضرائب والرسوم الجمركية المفروضة على الشاحنات السورية من قبل الجانب الأردني “كما يروي سائقون” ما زالت تشكل عبئاً ثقيلاً أدى مع مرور الوقت إلى توقف أعداد كبيرة من السائقين عن العمل وخروج الكثير من الشاحنات السورية من هذا القطاع، الأمر الذي جعل عيون أصحابها تتجه شرقا نحو العراق كممر لتجارة الترانزيت من خلال معابره المشتركة مع دول الخليج.
في ذات السياق أوضح رئيس جمعية النقل المبرد في دمشق، عبد الإله جمعة، أن “العقبة الوحيدة التي تقف أمام الشاحنات السورية هي الضريبة والرسوم الباهظة التي تستوفى في الأردن حيث تدفع الشاحنة السورية حوالي 6 ملايين ليرة سورية لتقطع مسافة وقدرها 170 كيلومتراً ذهاباً، كما تدفع مليون وأربعمائة ألف ليرة سورية إياباً وهي فارغة، خلافاً لكل الرسوم المفروضة على مستوى العالم”.