أكثر من 8 آلاف مصاب.. لقاحات داء “الكلب” لثلاثة أشهر فقط وفقدانها يودي بحياة العشرات!
ليس الطفل (م) ذو الخمس سنوات الضحية الوحيدة التي وقعت بين فكي الكلاب الشاردة التي اخترقت أنيابها الحادة الملوثة بالسموم جسده البريء، فالكلب الشارد الذي فعل فعلته لم يكتف بجسد الطفل (م)، بل توجّه مسعوراً نحو 12 طفلاً من أصدقائه ليفرغ سمه في أجسادهم البريئة، وفرّ هارباً خارج الحي وسط الخوف والفزع الذي أصاب أقرانهم الآخرين.
وقبل وفاة الطفل حصلت كارثة أخرى أنهكت الطفل بشدة وأرهقت أهله، فالتعب الشديد كان بداية الأعراض، ولم تغف عيناه الدامعتان طيلة الأيام الثلاثة الأولى، فبقي صاحياً، والحرارة المرتفعة أثقلت جسده وأرخت أعصابه، وخلال رحلة البحث عن اللقاح أو المصل في المراكز المخصصة في محافظة درعا لإنقاذه، قام أحد الأطباء في المحافظة بخياطة مكان العضة، ما تسبب بتدهور صحته كون الجرح أغلق وبداخله السم، وأصيب بالشلل العصبي والدماغي، في وقت اعتبر ذووه وجود مشكلة في فعالية اللقاح الذي أعطي له في مشفى درعا الوطني، وبدلاً من أن يتحسن تدهورت صحته، وأعطي اللقاح والمصل مرة أخرى في مشفى الأطفال بدمشق، ولكن فات الأوان وبقي يحتضر مدة 90 يوماً على خلاف الحالات التي تتوفى بعد أسبوعين من الإصابة، بينما شفي الأطفال الـ 12 الآخرون الذين نقلوا إلى دمشق.
ليست بجديدة
هذه الحادثة ليست بجديدة، فهي تتكرر في جميع المناطق والأحياء، وتكمن المشكلة والخطورة في عدم توفر اللقاح والمصل قبل تدهور صحة المصاب، فحادثة وفاة الطفل في قرية برج إسلام بريف اللاذقية كانت بالطريقة نفسها، وحالات أخرى حصلت في منطقة مصياف لحيوان بري هاجم الأهالي، وتسبب بأذى 4 أشخاص أعمارهم فوق الخمسين.
صلاحية قصيرة الأجل
حاولت “البعث” التواصل مع بعض المصادر الخاصة في مراكز معالجة داء الكلب للتأكد ومعرفة إن كان اللقاح متوفراً بشكل دائم أم لا، لتكشف المصادر في بعض المراكز بالمحافظات عن عدم توفر اللقاح بشكل دائم خلال الأشهر الماضية وقبلها، فأحياناً يفقد مدة شهرين بشكل نهائي، والسبب كما يؤكده المصدر أن اللقاحات التي تصل إلى بعض المراكز “التي يتوفر فيها” تحمل مدة صلاحية ثلاثة أشهر فقط، ويطلب من الكادر السخاء في إعطائها للمصابين قبل انتهاء مدة الصلاحية، بينما توجد أيام لا تتوفر فيها اللقاحات، وتأتي حالات مصابة لا تعالج، وهذا ما يضع عقبات في العمل، وأيضاً تأتي دفعة لقاحات جديدة- كما يؤكد المصدر- إلى المركز، وتحمل مدة الصلاحية نفسها لشهرين أو ثلاثة، ومن المفروض أن تحمل مدة صلاحية لسنتين أو ثلاث سنوات، ومصدر اللقاحات من ثلاث دول: “فرنسي- هندي- روسي”.
وأشارت المصادر إلى وجود مصل وهو علاج مباشر، وهذا أغلى من اللقاح، ولكن يأتي بمدة الصلاحية نفسها ثلاثة أشهر فقط، وحتى عند تأمينها بعد مدة من الانقطاع تأتي دفعة جديدة بمدة الصلاحية نفسها، وهنا يجب عدم التهاون والاستهتار بموضوع المرضى المعضوضين من الكلاب أو الجرذان، ولم تخف المصادر وصول عدد كبير من المصابين بعضات الكلاب الشاردة المسعورة التي ازداد عددها مؤخراً في المدن والأرياف، في وقت يشاهدها الأهالي في الأحياء، ولكن يتخوفون من إطلاق النار عليها، فهذه مسؤولية البلديات التي تقاعست ولم تتعامل مع هذه المشكلة، وأحياناً تتكرر الإصابات من المنطقة نفسها بشكل مؤذ جداً، فقسم محظوظ يشفى، وآخر يتعرّض للوفاة، إضافة إلى وجود حالات تعرّضت للعض من الكلاب الأليفة لعدم وجود ثقافة التعامل مع الكلاب، ويجب وضع ماسك على فك الكلب.
يعطى اللقاح- بحسب المصدر- بشكل وقائي خوفاً من أن يكون الحيوان مصاباً بداء الكلب، وفي هذه الحالة إن لم يأخذ المصاب اللقاح فمصيره الموت، وعند ظهور أول الأعراض على المصاب، لا يوجد علاج يوقف التدهور الصحي له، علماً أن اللقاح مكلف جداً وتقدمه الدولة مجاناً، حيث يتم إعطاء المصاب ثلاث جرعات على مراحل، ولكن يجب ألا ننسى ضرورة قتل الكلاب الشاردة للوقاية بشكل نهائي.
فيروسي وعصبي
بيّن الاختصاصي بالأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان الدكتور في الطب البيطري باسل بدرة أن داء الكلب مرض فيروسي موجّه بالعصب، يختلف عن غيره كون العدوى تنتقل عن طريق الأعصاب، ومن خلال العض، وينتقل الفيروس مع اللعاب إلى جسم المعضوض، ومن ثم يتكاثر ويسير بسرعة 2سم كل 24 ساعة باتجاه الدماغ حتى يصل إلى الجملة العصبية، لتنتقل بعدها الفيروسات من الدماغ إلى الغدد اللعابية، ويتكاثر الفيروس حتى قبل حوالي خمسة أيام من ظهور الأعراض، حيث توجد بعض الحيوانات تكون ناقلة للعدوى ومؤذية من دون أن تظهر عليها أية أعراض، ويعتبر داء الكلب من الأمراض المشتركة التي تنتقل من الحيوان إلى الإنسان وبالعكس في حال الإصابة.
سلوك الكلاب
وبالنسبة لموضوع العض، سواء كان من قبل الكلاب الأليفة أو الشاردة والحيوانات العاضة، أوضح بدرة أن العض عند الحيوانات إما بقصد الدفاع عن نفسها أو اللعب مع الآخرين، والحيوان المصاب بداء الكلب إذا عض إنساناً سيصيبه بداء الكلب، وهنا تعتمد فترة إنقاذه على مكان العضة، فكلما كانت العضة قريبة من الدماغ والنخاع الشوكي كانت الأعراض أخطر وسريعة الوصول، وتخرّب بنية الدماغ، وفي هذه الحالة لا تجدي مع المصاب العلاجات وسيتعرّض للموت، علماً أنه توجد لقاحات لوقاية الإنسان تؤمنها الدولة، أما اللقاحات البيطرية فيستوردها القطاع الخاص، وتوجد لقاحات تدخل بطرق غير نظامية.
وتابع بدرة: عادة في سورية كان يعطى اللقاح مرة واحدة سنوياً، ولكن عند حضور مؤتمر في ايطاليا عام 2011 كانت التوصيات بأنه لا مانع من إعطاء اللقاح كل ستة أشهر كونه غير مؤذ، فاللقاحات نوعان: حي مضعف أو مقتول، وتم إسقاط هذه التوصية على واقع سورية كون الأزمة كانت في بداياتها، وازدادت حالات العض من قبل الكلاب الشاردة، وحصلت الوفيات البشرية، وأصبحت تعطى اللقاحات حسب الوضع الوبائي للمرض، مع ازدياد التربية والإتجار بالحيوانات المنزلية، وازدياد مشاعر الاهتمام والمحبة للحيوانات في الظروف التي تمر بها البلاد، إلا أن معظم الناس يقومون بتربية الحيوانات المنزلية بشكل خاطئ، سواء من ناحية التربية السلوكية أو التغذية أو الاهتمام وقائياً، فالمشكلة تكمن في عدم التثقيف الصحي الصحيح والسليم للمواطنين بوجود أناس هم أبناء غير شرعيين لمهنة الطب البيطري قاموا بافتتاح العيادات البيطرية، وكذلك بيع الحيوانات، وإعطاء الإرشادات الخاطئة جداً للمربين.
أمراض مشتركة
الاختصاصي بدرة أشار إلى أنه ليس كل قط أو كلب شارد مصاباً بداء الكلب، ولكن توجد أمراض مشتركة قد تنتقل إلى الإنسان أخطرها مرض الاكينوكوكاس “الكيسات المائية عند الإنسان”، أو مرض التكسوبلازما أو المقوسات القندية التي تنتقل عن طريق القطط إلى الإنسان، وتسبب مشاكل إجهاض عند النساء الحوامل، أو في حال اكتمال نمو الجنين يصبح مشوّهاً، علماً أنه يوجد 270 مرضاً مشتركاً بين الإنسان والحيوان، ابتداء من الجرب والقمل والاكزيما والفطور، وانتهاء بالأمراض الجرثومية والفيروسية القاتلة.
ولفت بدرة إلى وجود عدة طرق لانتقال العدوى وهي أقل انتشاراً، منها عن طريق الخفافيش من خلال بول الخفاش المتطاير في الهواء وملامسته ملتحمة العين، أما الطريقة الأخرى فهي نادرة الحصول عن طريق الهضم في حال تناول الإنسان لحم حيوان مصاب بداء الكلب، فيمكن أن ينتقل في حال تناول الشخص لحمه وكان في فمه جرح ما أو في المري، فتحصل العدوى بمجرد وصول الفيروس إلى أية منطقة أعصاب مكشوفة.
وبيّن بدرة أن الكلاب الشاردة تعيش بمجتمعات منظّمة، وازداد عددها خلال الحرب نتيجة هجرتها من الريف إلى المدينة، علماً أنه توجد خطة وطنية لمكافحة الكلاب الشاردة كانت تعتمد سابقاً على توزيع رؤوس الدجاج المحقونة بالمواد السامة في أماكن معينة وفي أوقات معينة، ومن ثم تتم إعادة جمعها مع إحصاء الكمية المأكولة، وإزالة الكلاب الميتة، ولكن للأسف لا يتم تطبيق الخطة بحذافيرها، أو بطريقة الطلق الناري، ولكن منع استخدامه خلال الأزمة.
ولفت بدرة إلى طريقة أخرى للتحكم بالكلاب الشاردة من خلال إنشاء جمعيات لحماية الحيوان وإيوائه وتغذيته، والذي يرغب في تبني حيوان يذهب إلى الجمعية ويأخذ الحيوان، وللقضاء على الكلاب الشاردة منعكسات سلبية، ففي حال اختفت الكلاب الشاردة من منطقة معينة يمكن أن يزداد عدد الجرذان، فالجرذ يخاف من الكلب وليس من القطة، وفي حال تم القبض على حيوان عاض يحجر لمدة أسبوعين حتى لو كان مملوكاً، وفي حال ظهرت عليه أية تغييرات مرضية يقتل مباشرة، أما إذا لم تظهر أية أعراض تتم إعادته لصاحبه أو يطلق سراحه.
واعتبر اختصاصي العصبية الدكتور نجم السمران أن داء الكلب هو فيروس يدخل إلى الدماغ والنخاع الشوكي، ينتقل عن طريق الكلاب والخفاش من خلال العض واللعاب، وينتقل من قبل الثروة الحيوانية، حيث أصيبت امرأة بداء الكلب بعد أن عضتها النعجة التي أصيبت من قبل حيوان مصاب.
معلومة غير صحيحة!
نفى مدير الأمراض السارية والمزمنة في وزارة الصحة الدكتور جمال خميس، في معرض رده على أسئلة “البعث”، قيام وزارة الصحة بتزويد المراكز باللقاحات بمدة صلاحية ثلاثة أو أربعة أشهر فقط، مؤكداً أن هذه المعلومة غير صحيحة، وأن اللقاحات متوفرة في جميع مراكز معالجة داء الكلب البالغ عددها 42 مركز في جميع المحافظات وأريافها، وتفتح على مدار 24 ساعة ويعطى العلاج مجاناً، ولا توجد هناك تطورات تظهر على المصاب بداء الكلب خلال سنوات الحرب، مشيراً إلى أن عدد المعضوضين الذين راجعوا مراكز المعالجة خلال عام 2020 بلغ 8000 معضوض.
فداء شاهين