نقاط إيران في محادثات فيينا
محمد نادر العمري
شهدت مدينة فيينا السويسرية صباح يوم الاثنين 29 تشرين الثاني الماضي، استئناف المفاوضات بين إيران ودول (4+1) بعدما كانت قد توقفت في الصيف الماضي من دون التوصل إلى اتفاق يرفع جميع العقوبات الأميركية عن إيران.
في كل الأحوال، يمكن القول بداية إن هذا الاجتماع انعقد في ظل تفاؤل ساده الكثير من الحذر، وهو ما يبدو ملموساً في أجواء فيينا التفاوضية وليس الطقسية فقط، فعلى الرغم من محاولات بث ما يمكن وصفه بالإيجابية حول الجدية التي يبديها جميع الأطراف للتوصل إلى اتفاق، لا تبدو الطرق معبدة بسهولة أمام اتفاق يمكن وصفه بالسريع والكامل، فكل من الأجواء الإيجابية والتصريحات المستندة لها لا يمكن أن تخفي حجم الهوة الشاسعة والكبيرة بين ما يطلبه الغرب بتحريض أمريكي بشكل عام، وما يمكن أن يقبل به الإيرانيون وما يتمسكون به في الحفاظ على حقوقهم وبما يضمن عدم خرق الاتفاق مرة ثانية من قبل إدارة مقبلة.
من هنا ودون الخوض في مآلات احتمال العودة للاتفاق من عدمه، رغم أن سقف ما يمكن توقعه في هذه الجولة ضمن واقع التفاؤل السائد هو التوصل إلى صيغة من الحلول للمشكلات والتعقيدات العديدة التي تحيط بالملف في الجولة الأولى من الحوار، قبل أن يتمّ تكريسها من قبل كل الأطراف بشكل نهائي في جولة أو جولات متتالية، لابد لنا من تسجيل الملاحظات والنقاط التي تصل حدّ المؤشرات في هذه الجولة:
- رغم أن هذه الجولة لم تكن هي الأولى بين الجانبين بعد رحيل الرئيس دونالد ترامب، ولكنها الأولى في عهد الإدارة الإيرانية الجديدة برئاسة إبراهيم رئيسي، وهو ما يشي بأن آمال المتطرفين في الغرب والذين يريدون تحقيق الأمنيات الصهيونية بعد قبول هذه الإدارة استكمال المفاوضات من حيث توقفت، أصبحت أمنيات خلف الظهور، حيث أبدت الإدارة الحالية مرونة في العودة للتفاوض ولكنها تشدّدت في مواقف وحقوق إيران الثابتة التي لا تتغيّر بتغيّر إداراتها، وهي رسالة أيضاً عن رغبة الإدارة بالسلام دون أن يعني ذلك عدم جهوزية للتصدي لأي عدوان ورفضها أي إملاءات، بل ربما أظهرت هذه الإدارة جديتها وحرصها على صون حقوق الإيرانيين وعدم السماح للوقوع في أي ثغرة من خلال حجم الوفد الكبير التقني والسياسي الذي أرسلته في هذه الجولة التفاوضية، وهو مؤشر لا يمكن إنكاره من أحد، سواء أكان متابعاً أو مختصاً سياسياً أو تقنياً.
وفي هذا السياق، لابد من الإشارة لثلاث نقاط تسجل لهذا الوفد: الأولى هو استمرار رفض الوفد الإيراني حضور الأمريكيين لجولات التفاوض وإبقائهم في قاعة جانبية، والثانية تمسكهم في بدء جولة المفاوضات ببند كيفية رفع العقوبات واسترداد حقوق إيران المسلوبة من الحظيرة الغربية، وثالثاً نجاح إيران في اتباع سياسة العصا والجزرة من خلال جلوسها على طاولة مباحثات ورفع نسبة تخصيب أجهزة الطرد المركزي 20% عندما بدأت تشعر بمراوغة غربية في المحادثات أثناء اليوم الثاني.
- في المقابل إن ما تمّ تسريبه أوروبياً وأمريكياً بأن هناك ما يقارب ما نسبته 70 إلى 80% من احتمالية الوصول لاتفاق، هي نسبة سادت حتى الجولات السابقة، ولكن الهدف من نشر هذه الأجواء الإيجابية محاولة إغراء إيران أولاً بقبول الوجود الأمريكي في جلسة المفاوضات، وثانياً جسّ نبض الإدارة الجديدة ومعرفة كيفية مقاربتها في التعامل مع المباحثات، وأخيراً مسعى الأوروبي والأمريكي لتحسين الرضا الشعبي الداخلي نتيجة السخط الذي بات يعتري الوضع الداخلي في هذه الدول سواء لأسباب سياسية أو نتيجة ارتفاع أسعار الوقود أو كنتيجة لتراكم العنصرية المتعالية التي أدت لانتشار متحور “أوميكرون” والتداعيات الاقتصادية والصحية التي سرعان ما بدأت تنجم عنه.
مع الإشارة هنا إلى استمرار الوفد الأمريكي بالنزول عند المطلب الإيراني في الجلوس خارج قاعة المفاوضات، وهو ما يمكن وصفه بالخيبة الكبيرة للنفوذ الأمريكي على حدّ وصف “فورين بوليسي”، فأميركا التي أدارت جولات التفاوض الدولية المهمّة والأكثر حساسية بما في ذلك المؤتمرات التي شهدتها الحرب العالمية الثانية (1939- 1945) وانتهت بمؤتمر فرساي للسلام، هي اليوم تنتظر على المقعد الخارجي لحلبة التفاوض حول الملف النووي الإيراني.
- أما الجانب الثالث للصورة وهو المتعلق في الغائب الحاضر، الكيان الصهيوني، لعلّ وسائل إعلامه تنضح بما يعيشه من حالة قلق ورعب وعدم ارتياح لما يحصل في فيينا، فعلى الرغم من كل الضغوط التي مارسها مسؤولو الكيان لعدم عودة واشنطن للمفاوضات ومحاولة شيطنة صورة الإدارة الإيرانية الحالية، ودفعها نحو تصعيد إقليمي بعد جملة استفزازات ميدانية ضدها، والتعاون مع اللوبيات وجماعات الضغط في أميركا لسدّ الطريق أمام استئناف التفاوض، والتصريحات المؤخرة لرئيس الحكومة “نفتالي بينت” وعدد من مسؤوليه السياسيين والعسكريين، والمتضمن عدم التزام الكيان الإسرائيلي بأي اتفاق، كل ذلك يعزّز حتمية اقتراب الاتفاق وفق الصيغة والمطالب التي تتمسك بها إيران، وهو ما يشكل هاجس الرعب والخوف للكيان الذي قد يترحم كثيراً كثيراً على أيام الرئيس ترامب، متمنياً النفس بأن يعود!.