سوق سوداء للدواء.. وقرار رفع الأسعار في مطبخ وزارة الصحّة
البعث ــ ميس بركات
لم يختلف السيناريو الجديد لرفع سعر الدواء عن مثيله من قرارات رفع أسعار السلع والمحروقات، إذ اعتاد المواطن السوري على تلقي الصفعات المتلاحقة من حين لآخر من خلال الإجراءات الحكومية التي تتخذ والتي تبدأ بفقدان المادة في السوق المحلية مع وجودها في السوق السوداء بأسعار خيالية، وإبقاء المواطن في حالة انتظار مع “طبخه” على نار هادئة ريثما يبتلع تدريجياً قرار رفع سعر المادة مع توفرها بشكل دائم، ولعل آخر تلك الصيحات كانت مطالبات المجلس العلمي للدواء برفع سعر الدواء بنسبة 70% نتيجة زيادة الطلب عالمياً على الدواء بعد جائحة كورونا وزيادة الطلب على المواد الخام الداخلة في الصناعة الدوائية إضافة لزيادة غير مسبوقة في تكاليف الشحن، إذ لم تُوّفق وزارة الصحة بزيادة سعر الدواء السابقة بنسبة”30%” خاصّة وأن فقدان الكثير من الأصناف الدوائية كان سيّد الموقف، في الوقت الذي تم احتكاره في المستودعات وفي صيدليات خاصّة أطلق عليها المرضى “صيدليات سوداء” أسوة بالسوق السوداء.
وعلى الرغم من أن مطالبات المجلس العلمي للدواء برفع سعر الدواء لاقت الكثير من الاستهجان، كونه ليس مادة كمالية أو رفاهية يمكن الاستغناء عنها أو الاستعاضة عنها بشيء بديل، و أن المواطن لم يعد قادراً على تلقّف عبء جديد إلى جانب ركام الأعباء التي أرهقت كاهله منذ سنوات في ضوء محدودية دخله والتراجع الكبير في القوة الشرائية، متسائلين فيما إذا كان رفع سعر الدواء مجدداً سيداوي ضعف فعاليته، إلّا أن الصيادلة أكدوا أن هذا القرار يحمل في طياته إنصافاً للمواطن ولشركات الدواء التي لا زالت تعمل في ظل خسائر متراكمة على مدى عشر سنوات، وأن رفع سعر الدواء هو الحل لتوفره خاصّة في ظل الوقت الراهن وكثرة الأمراض والأوبئة، كما سيساهم في تعزيز حضور الدواء السوري في السوق المحلية وحماية المواطن من التعرض للاستغلال لقاء بحثه عن الدواء البديل سواء عن طريق المستورد أو المهرب وكلاهما لا يحققان شرط الفعالية والجودة إلى جانب موضوع السعر الذي سيفوق عشرة أضعاف سعره تقريباً، في حين وجد البعض بضرورة الاشتراط على منتجي الدواء المحليين إنتاج كافة الأصناف والزمر الدوائية المفقودة في الفترة الماضية، مقابل رفع الأسعار، مؤكدين أنّ قرار رفع سعر الدواء بيد وزارة الصحة ولا يحقق فائدة ربحية للصيادلة، لكن صناعة الدواء عملية تحتاج لتحقيق معادلة صعبة وهي إنتاج الدواء بجودة عالية وبالمواصفة المحددة وبسعر مقبول، وهذا يستدعي تكاليف مرتفعة جداً إلى جانب تكاليف التحاليل المخبرية وأجور النقل وكذلك عمليات الرقابة داخل المعمل وأثناء التصنيع والتي تتطلب توفر أجهزة دقيقة لا تتوفر قطع تبديلها بشكل دائم.
وعلى الرغم من أن المقترح لم يمض عليه يومان إلّا أن حالة من الشح في الدواء سيطرت على الصيدليات بعد احتكار الدواء في المستودعات ريثما يتم اتخاذ قرار الرفع، كذلك نتيجة إقبال المرضى على شراء كميات أكبر وتخزينها خوفاً من الغلاء القادم ، وفي محاولاتنا لمعرفة ردود الجهات الرسمية على مطالبات المجلس العلمي برفع سعر الدواء لم نستطع الوصول لجواب يشفي قلوب المسنّين المتقاعدين ذوو الدخل الخجول والذين يشكلون الشريحة الأكبر المستهدفة بهذا القرار في حال تم الأخذ به، لتؤكد لنا نقابة الصيادلة بأن قرارات رفع سعر الدواء بيد وزارة الصحة والتي كان سكوتها أيضاً يشكل دليلاً على حالة الرضا التام بهذا المقترح.