“ليلة لم تحدث”.. الحياة عبثية في ظل الحرب
يشارك فرع نقابة الفنانين باللاذقية في مهرجان حمص المسرحي بعرض “ليلة لم تحدث” تأليف علي عبد النبي الزيدي، إخراج هاشم غزال، تمثيل مصطفى جانودي ووفاء غزال.
يدور العرض حول فكرة غير مكتملة الملامح يغرق الكاتب في متاهات الثرثرة الفارغة في رحلة لملمة خيوطها المبعثرة، فيصرف أكثر من نصف الوقت على سجال بين بطلي العرض حول الشخير والأنف أو “الخشم” الكبير كما فضّل أن يسميه تندراً، وعلاقة الزوجة المستقبلي بأم الزوج، وغيرها من ثرثرات لا لزوم لها، كل ذلك من أجل أن يقودنا إلى أجواء الحرب التي أرخت بظلالها على أفراد المجتمع السوري، من خلال عروسين (سعيد وسوسو) في أول ليلة لهما داخل غرفة مليئة بأكياس الرمل والسواتر الدفاعية وخوذ وحذاء عسكري، وكأنه يماثل بين العلاقات الأسرية والحرب التي شهدتها البلاد، أو أن أجواء الحرب ومفرداتها باتت تعيش معنا داخل بيوتنا وفي مفرداتنا وأثاث منازلنا في ربط غير مفهوم أو مقنع. فالعروسان ينتظرهما الأهل في الخارج وفق التقاليد القديمة لتأكيد العفة والرجولة، وصوت قرع الباب تغطي عليه أصوات القذائف في الخارج دون إيجاد تفسير لهذا الترابط بين علاقة العروسين وخلافاتهما وسجالهما في أول ليلة لهما معاً، والحرب، وما هي دلالة وجود أكياس الرمل في غرفة يفترض أنها مغلقة ومخصّصة لاستقبال عروسين أكثر مما ذكرنا، هذه الحالة التي أرادها رمزية شتّتت فكرة العرض وفككت بنيته غير المتماسكة أساساً.
يحاكي العرض مسرح العبث دون قصد أو تخطيط مسبق للاشتغال على نص عبثي يراعي فيه شروط هذا النوع من المسرح الذي خرج من بين أنقاض الحرب العالمية الثانية على يدي مجموعة من الأدباء وعلى رأسهم ألبرت كامو في “أسطورة سيزيف” وصموئيل بيكيت في “انتظار جودو” رغم أنه يحاكي العبث عندما يجعل تصرفات شخوصه مبتذلة وحوارهم مشتّتاً ضمن نص يفتقر إلى الحبكة، والأفكار المتسلسلة التي تقود المتفرج إلى نهاية واضحة ومفهومة.
استخدم في العرض أسلوب المراوغة للوصول إلى مقولة يمكن الاشتغال عليها وفق منظور درامي أكثر ديناميكية وعمقاً، بدلاً من كل هذا التجريب والحذلقة المسرحية، هو يريد أن يقول لجمهور العرض إن الإنسان في ظل هذه الحرب يخلق ميتاً، فالطفل تنتظره الهجرة والموت غرقاً، والطفلة الخطف والاغتصاب والقتل، أي أن لا معنى لإنجاب العروسين القادمين على حياة جديدة أطفالاً وتكوين أسرة طالما الحرب ستدمر كل شيء، لذلك كانت الليلة المفترضة لعروسين غير ذات جدوى أو معنى ومن الأفضل ألا تتمّ، وكأنه ينظر إلى الحرب على أنها نهاية الكون.
فالأمل بالعرض مفقود والحياة متوقفة عند أصوات القذائف التي تطرق أبوابنا بين لحظة وأخرى، وهكذا تُجتر لازمة هذه المأساة بشكل ممجوج ومتكرّر دون أن تضيف أي قيمة فنية وفكرية للعرض، أو تنجح في كسب تعاطف المتلقي والاستحواذ على انفعالاته.
هذا يعيدنا إلى كل ما شاهدناه من عروض في هذا المهرجان الذي غابت عنه أعرق فرقة مسرحية في حمص “العمالي”، لنقف مطولاً عند أزمتين تعاني منهما أغلب الفرق المسرحية وهي أزمة النص والإخراج، لأن معظم العروض السابقة كان أداء الممثلين احترافياً ومتقناً عايشوا الدور وامتلكوا مقومات الشخوص التي جسّدوها بحرفية عالية، لكننا كنّا نصطدم دائماً بنصوص سواء عالمية مولفة محلياً، أو محلية مبتكرة أغلبها يفتقر إلى البناء الفني المتماسك، وكذلك الإدارة الإخراجية التي لا تتعثر بأخطاء واجتهادات غير موفقة.
آصف إبراهيم