دراساتصحيفة البعث

واشنطن تسخر من الديمقراطية

هناء شروف

يمكن العثور دائماً على الحجج لتحويل الرغبة إلى سياسة، لكن بالنسبة للسياسيين في واشنطن عندما يتعلّق الأمر بالسياسة الخارجية فإن الحجج تتلخّص بشكل عام في كلمة “ديمقراطية”. وقد تجلّى ذلك عندما قامت إدارة جو بايدن بالدعوة لعقد اجتماع افتراضي في وقت لاحق من هذا الشهر باسم الديمقراطية، وذلك من خلال دعوة الدول أو الكيانات السياسية التي تحبها واستبعاد من لا تحبهم من القمة الافتراضية للديمقراطية التي سيستضيفها الرئيس الأمريكي يومي 9 و10 كانون الأول الجاري، وهي بذلك ترسم خطاً أيديولوجياً كما فعلت خلال الحرب الباردة.

إن عقد مثل هذا التجمع لتعزيز موقعها المهيمن يؤكد ببساطة حقيقة أن الولايات المتحدة ليست مؤهلة لتكون بطلة الديمقراطية، وهي أوصلت رسالة واضحة تماماً عن طريق اختيار الضيوف لما يُسمّى بـ”قمة الديمقراطية” القادمة وفقاً لتعريفها ومعاييرها الخاصة بالديمقراطية، مفادها إما أن تلعب وفقاً لقواعدي أو تخرج!.

الهدف المعلن للقمة هو “وضع أجندة إيجابية للتجديد الديمقراطي”، ومع ذلك فهي بعيدة كل البعد عن كونها ديمقراطية، لكن تحت ستار الديمقراطية تقوم الولايات المتحدة بشكل أساسي بالترويج لمناهضة الديمقراطية، فقد شوّهت الولايات المتحدة معنى كلمة الديمقراطية، على الرغم من أنها تقذف الكلمة مثل قصاصات الورق، إلا أنها تستخدم المصطلح في أغلب الأحيان كذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

المعنى الحقيقي للكلمة غير مهمّ للسياسيين في واشنطن الذين يعتقدون أنها منطقية فقط عند توظيفهم لدفع الأجندة الدولية للبلاد. وبالنظر إلى ما فعلته الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم باسم الديمقراطية فقد سخرت من مطالبتها بمناصرة هذه القضية.

من بين 258 صراعاً عسكرياً في 153 منطقة ودولة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى عام 2001 أطلقتها الولايات المتحدة 201 مرة، فقد أدى غزوها لأفغانستان في عام 2001 واحتلالها للبلاد لمدة 20 عاماً إلى إغراق ذلك البلد في هاوية من البؤس والفقر، كما أدى غزوها للعراق باسم محاربة الإرهاب ونشر الديمقراطية إلى حالة من الفوضى في البلاد وصعود تنظيم “داعش” الإرهابي، كما أن تدخلها في الشؤون الداخلية للدول الأخرى بأشكال مختلفة تحت راية الديمقراطية أدى فقط إلى صراع مسلح أو فوضى سياسية.

تزعم الولايات المتحدة أن هذه الإجراءات تهدف إلى تعزيز الديمقراطية، لكن لم يروّج أي منها لتطوير الديمقراطية في أي دولة، وبدلاً من ذلك فقد كانوا المخربين المعتادين للسلام والاستقرار في جميع أنحاء العالم.

لهذا ليس من الصعب رؤية الحيلة التي تلعبها الولايات المتحدة، حيث أعربت العديد من الدول عن استيائها مما تحاول الولايات المتحدة القيام به، الأمر الذي يجعل هذا الاجتماع مفارقة تاريخية، لأن مثل هذه القمة تثير الكراهية والانقسامات في وقت تكون فيه الوحدة هي حاجة الساعة، حيث يترنح العالم تحت جائحة مستعرة وتزايد الحمائية والتهديد المتزايد لتغيّر المناخ.

لقد تمّ وضع خط واضح بين “الديمقراطيات” و”غير الديمقراطيات” التي حدّدتها الولايات المتحدة في العالم، لأنه في عالم اليوم المتعدّد الأوجه والمترابط فإن هذا الانقسام المفرط في التبسيط بين الأسود والأبيض غير فعّال وغير مفيد. كما أن الخلل الوظيفي للديمقراطية الأمريكية ليس بالشيء الجديد بدءاً بفشل الحكم والتدخل العسكري المأساوي والاستقطاب السياسي التي كانت كلها عوامل جعلت من الديمقراطية الأمريكية دعاية سيئة.

وحتى داخل المجتمع الأمريكي، تشعر الغالبية العظمى من الأمريكيين بخيبة أمل عميقة من النظام السياسي الأمريكي فقد أظهر تقرير حديث صادر عن “مركز بيو” للأبحاث أن 17 بالمائة فقط ممن شملهم الاستطلاع يعتقدون أن الديمقراطية الأمريكية هي مثال جيد يمكن للدول الأخرى أن تحذو حذوه. لكن في المقابل، ووفقاً لدراسة أخرى أجرتها “مؤسسة روبرت بوش” في ألمانيا يعتقد أكثر من 50 بالمائة من الأمريكيين الذين شملهم الاستطلاع أن نظامهم الديمقراطي لا يعمل على الإطلاق في ظل الظروف الحالية. وقد أظهرت الدراسة جائحة كوفيد 19 كشفت أن الديمقراطية الأمريكية ابتعدت عن إيجاد هدف مشترك، لذلك كان الأجدر بواشنطن أولاً أن “تعالج مرضها” من خلال عقد “قمة الديمقراطية” المحلية الخاصة بها والتي تجمع قادة الكونغرس والسياسيين لإعادة تأكيد التزامهم بالديمقراطية الأمريكية، والاعتراف بانتهاكاتها لحقوق الإنسان في بلد يعاني بشدة من انتهاكات حقوق الإنسان والعنصرية المتأصلة.