ماذا بعد اعتراف الوزير؟
علي عبود
نادراً جداً ما يعترف مسؤول حكومي بأن الأحوال المعيشية للأسرة السورية ستتحسّن في المدى المنظور، فكيف إذا جاء هذا الاعتراف من وزير المالية مباشرة؟.
لن ننشغل بالتسريبات حول ملف الدعم ومستحقيه، وإنما سننشغل بالوقائع، والتي تحدث عنها رسمياً وزير المالية وباعتراف غير مسبوق لأي مسؤول حتى الآن، وهو اعتراف مضمونه التالي: لن تتحسّن أحوال الأسرة السورية لا في المدى المنظور ولا البعيد جداً!!.
قالها وزير المالية بوضوح ما بعده وضوح: زيادة الرواتب المتوقعة لن تلغي الفارق الكبير بين الرواتب ونسب التضخم الحالية. لكن لم يُخبرنا الوزير عن أسباب عدم تعديل الرواتب في كل مرة ارتفع فيها التضخم، في الوقت الذي قامت فيه جميع الحكومات المتعاقبة بتعديل منتجاتها وخدماتها بما يتناسب مع نسب التضخم التي ترتفع شهراً بعد شهر حسب بيانات المصرف المركزي!. وبدلاً من أن يكشف لنا وزير المالية (بعد اعترافه بأن زيادة الرواتب لن تلغي الفارق بين الرواتب والتضخم..) عن خطة لردم الهوة السحيقة بين الأجور والأسعار التضخمية، فإنه وعدنا بما يمكن تسميته بحلول “ترقيعية!!”.
ورأى وزير المالية أن “تحسين الإيرادات العامة وزيادة العائدات من استثمار الأصول المملوكة للدولة، من الممكن أن يُجنّب زيادة معدلات التضخم”، وكان حريصاً على تضمين رأيه بكلمة “من الممكن” لأنه الأدرى بأن الإيرادات العامة زادت بالمليارات، كما زادت العائدات الناجمة عن استثمار عقارات الدولة، ومع ذلك لم تنخفض نسب التضخم بل زادت. والسؤال: لماذا العامل بأجر دون غيره يدفع ثمن التضخم؟
أكثر من ذلك، أليست القرارات التي صدرت، والتي ستصدر عن اللجنة الاقتصادية، وغالباً ما كان وزير المالية يترأسها، لا هدف لها سوى تعديل أسعار السلع والخدمات بما يتناسب مع نسب التضخم الفعلية؟.
وبدلاً من تشخيص الواقع كنا ننتظر من وزير المالية خطة، آلية مماثلة تتيح تعديل الأجور في كل مرة ترتفع فيها نسب التضخم، لا أن يعد بحلول “ترقيعية” مثل وعده بـ (اعتماد معالجة “جدية” لآليات صرف التعويضات والحوافز المتعلّقة بطبيعة العمل، عبر احتساب تعويضات العاملين على أساس الراتب الحالي، مع فتح درجة لمن وصل إلى سقف الراتب).
من يقتنع بأن مثل هذه البدائل التي لاتزال وعوداً، ستُحسّن القدرة الشرائية وتستوعب نسب التضخم، فهو إما ساذج أو يحقننا بالأوهام.
الحل بمنتهى البساطة: وزارة المالية اعتمدت السعر الرسمي لصرف الدولار في موازنة الدولة لعام 2022، وهذا يعني أنها ستطبقه في جميع القطاعات الاقتصادية والخدمية. وعليه فلماذا لا تطبق الحكومة هذا السعر أيضاً على الرواتب والأجور، فهو الحل الوحيد لامتصاص التضخم الذي لا يُلحق الضرر إلا بالعاملين بأجر؟
لقد سبق لقيادة “حزب البعث” أن أعدّت دراسة في عام 2000، جاء فيها أن دخل أسرة من 6 أشخاص يجب ألا يقل عن 18 ألف ليرة شهرياً باستثناء السكن، ووجّهت الحكومة حينها باعتماد خطة تنفذ على مدى 5 سنوات لرفع الدخل إلى المبلغ المطلوب أي إلى ما يوازي حالياً 961 ألف ليرة، وهو أكبر بقليل من تقديرات اتحاد نقابة العمال الحالية لاحتياجات الأسرة السورية في عام 2021!.
كان وسطي راتب العاملين في الدولة عام 2000 بحدود 5300 ليرة، يساوي 113 دولاراً بالسعر الرسمي، وهذا الوسطي للراتب حتى لو لم تطرأ عليه أي زيادة أو ترفيعات على مدى 20 عاماً، كان يجب أن يُعدل وفق سعر الصرف الرسمي إلى 283 ألف ليرة حالياً، ولكن الواقع يؤكد أن وسطي الرواتب حالياً لا يتجاوز 36 دولاراً بسعر الصرف المعتمد بموازنة الدولة..، فهل هذا معقول؟!!.
بالمختصر المفيد: بدلاً من إشغالنا بالدعم وإيصاله لمستحقيه وحرمان المقتدرين من “نعيمه”، فلتضع الحكومة خطة خمسية لترميم الرواتب والأجور كما فعلتها حكومة الـ 2000 تنفيذاً لتوجيهات قيادة حزب البعث.
هذه هي الآلية الوحيدة للإجابة عن السؤال المفترض: ماذا بعد اعتراف وزير المالية؟؛ ودونها ستتسع الفجوة أكثر فأكثر بين الأجور والتضخم.