معرض ادوار شهدا في صالة كامل.. اللوحة تكشف الحياة
افتُتح في صالة جورج كامل بدمشق معرض الفنان ادوار شهدا مطلع هذا الأسبوع محدثاً فرزاً واضحاً في مستوى العروض التشكيلية لهذا العام، الذي بدأت ملامح عافيته تظهر من خلال ما تعدّه المؤسّسة الثقافية الرسمية، بالتعاون مع الصالات الخاصة، استعداداً لإطلاق فعاليات الأيام التشكيلية السورية في منتصف هذا الشهر، والتي بدأت حيويتها من خلال إطلاق بعض المعارض الشخصية والجماعية بداية الموسم التشكيلي في الصالات الخاصة، إلا أن معرض أعمال ادوار شهدا يحسب له حساب مختلف بما يحمل من فارق ومن جديد الفنان الحاضر والمؤثر في التشكيل السوري منذ عقود، فهو من كوكبة الفنانين الذين حملوا على عاتقهم دفع روح التجديد في التشكيل السوري ومتابعة ما سبق من ريادة لأولئك الرواد الذين أسّسوا لحركة الحداثة التشكيلية السورية وتبنيهم متطلباتها التعبيرية.
أعمال جدارية أنجزها الفنان خلال الفترة القريبة السابقة في نقلة واسعة على صعيد اختيار مثل هذه المساحة للعمل التشكيلي الجداري الذي يقتضي متطلبات تقنية وخبرة عالية في السيطرة على مساحة كبيرة غير مألوفة للمشاهد ومتابعي المعارض التقليدية في المدينة من جهة ومربكة لبعض الفنانين على مستوى التنفيذ والعرض والتسويق، إلا أنها تنتمي بكفاءة إلى متطلبات العمل المتحفي بكل شروطه.
مواضيع وعناوين بسيطة تناولها الفنان (سيران، نساء، موت البطرك، الفصول الأربعة، سوق شعبي..) وهي جزء من يوميات الفنان الذي يولي هذه المواضيع أهميتها ويكسو إنسانها حمولات تعبيرية واضحة من خلال المعالجة التقنية الخبيرة في توليف هذه السيرة بصرياً، ومن خلال حياكة تأليف عناصر اللوحة الجديدة بسطوحها وخطوطها الملونة التي لا تتجاوز حدود الوظيفة البصرية المحدّدة لها، فلا إغراق في التوشيح والتزيين على حساب البساطة والغنى المتوازن والمدروس بخبرة العارف لمفردات عالمه البصري الثري، فنجده غرافيكياً في مساحة وملوناً باذخاً مترفاً في مكان وشفافاً رقيقاً في مكان آخر، تجريدياً تغريه القطوع الهندسية العاقلة هنا وعاطفياً صريحاً يتحسّس اللون ويستشعر الهواء الخفيف.. جملة من النزعات التشكيلية المتوازية على الصعيد البصري في اللوحة يتجاذبها هذا الفنان الخبير مثله مثل الموسيقي الذي ينقلنا بأدائه من مقام لآخر في مقطوعة موسيقية متكاملة تجعل من أجسادنا خفيفة تعلو عن الأرض وترتجف في الهواء، هذا الطرب البصري الذين يقدمه ادوار شهدا يمتد إلى مقامات بصرية قادمة من الأسطورة والطبيعة والمدن القديمة والبيوت المتكئة على بعضها، قادمة من ثقافة واسعة ومخزون عميق يستخلصه الفنان بالترميز والاختزال وأحياناً مشحوناً بانفعالات عميقة لا يجد سوى التلميح معادلاً يليق بكرامته وجدارة أن يكون فناناً صانعاً للجمال ونابشاً في روحية الإنسان.
يقول ادوار شهدا: “لطالما كنتُ شغوفاً بالرسم.. يسحرني شكل جسد الإنسان؛ وأعمل عليه في لوحاتي.. اللون هو شغفي الأكبر.. فكمية قليلة من اللون قد تحمل ثراءً هائلاً على المستوى الدرامي والتعبيري، وتخلق حالة من التوتر البصري”.
تكاد موضوعات شهدا تُقارب الروحانية وتتنوّع معالمها وتكشف أعماله عن حالة من التوتر الكامن في الخطوط السميكة وتباين الألوان.
أكسم طلاع