مجلة البعث الأسبوعية

أيام مظلمة وقصيرة.. كيف يمكننا طرد الكآبة خلال فصل الشتاء

أتذكر حبي للشتاء وانتظاري هذا الفصل الممتع من السَّنة وأنا مشتاقة إلى أن تَلفح وجهي تيارات الهواء المُنعشة، وأن أتدفأ في لياليه بكوب من “البليلة” الساخنة، أو صحن الفول “النابت”، أو كوز الذرة الذي أعشقه خلال المشوار مع الصديقات في الجامعة، حيث ينتهي بنا المطاف في االمدينة الجامعية؛ وعندما كان يشتد الشتاء قليلاً، كنا نتدفأ بأكواب من السحلب الساخن، أو الكاكاو اللذيذ.

كان الشتاء جميلاً رقيقاً مثل الأم الحنون، كنا نشعر فيه بالدفأ في أحضان أحبَّتنا بين حيطان بيوت ملأتها الفرحة والحب والرضا. كان الفقير يجلس أمام أوراق عرانيس الذرة وهي تحترق؛ كي ينعم بحرارتها، ويحتسي كوباً من الشاي الساخن الذي قدَّمه له أحد الصبية من أحد المقاهي. وفي القرى كانت الجلسة الممتعة على “الرويسة”، حيث الأحاديث التي لا تنتهي ورائحة الخبز الساخن تعبئ الأرواح قبل أن يلتهمها الجالسون.

مؤخراً أصبح الشتاء قاسياً مثل زوجة أب لا ترحم، وبات هناك من يتمنى أن ينتهي هذا الفصل قبل أن يبدأ، أصبح الشتاء بالنسبة يعبّر عن الفقد والمرض والوحدة، الشتاء أجسام ترتعد من البرد ولا تجد شيئاً لتلتحف به، الشتاء طفل فقير يبحث عن كسرة خبز في مقلب زبالة، الشتاء نفوس مُتعبة ملقاه في زنزانة تموت ببطء من شدة البرد والجوع والظلم، الشتاء رجل مُسنٌّ ماتت زوجته وتركته وحيداً تهزمه الذكريات مراراً. الشتاء أصبح قاسياً مثل قلوب البشر.

قد تكون هذه النظرة إلى الشتاء سوداوية، وقد يكون الشتاء مظلوماً، وقد تكون تلك قسوة البشر.

ولربما تكمن الأسباب في الأمزجة، إذ يستقبل البعض ساعات الليل الطويلة في الشتاء وحب البقاء داخل المنزل الدافئ، فيما يعاني آخرون من تردي الحالة المزاجية لحد الاكتئاب، وقلة الشعور بالتحفيز، وقلة الاستمتاع بالأنشطة العادية، وتغيرات في النوم أو الشهية، وحتى الحزن المستمر ومشاعر العزلة.

وبينما لا يمكن التحكم في الطقس، هناك العديد من الأشياء التي يمكن التحكم فيها للمساعدة في تخفيف بعض أعراض الكآبة الموسمية.

يمكن مثلا تلقي الدعم من خلال ممارسة التمارين الرياضية الصحة الجسدية، ولكن لها أيضاً تأثير هائل على المزاج والصحة العاطفية.

ويمكن أيضا الخروج من المنزل، ورغم أن الأمر يحتاج بعض الجهد، فإن امتصاص أي ضوء نهاري ممكن مع تنشق الهواء النقي يفيد بالتأكيد.

وأثناء الوجود داخل البيت، بوسعك أن تفتح الستائر للسماح بدخول الضوء الطبيعي. كما يساعد الجلوس بالقرب من النافذة في تحسين المزاج.

ويعتبر التواصل مع الآخرين معززا قويا للمزاج. وعلى الرغم من أنه قد يكون من المغري السبات تحت البطانيات، فإن زيارة الآخرين واستقبالهم يرفعان المعنويات حرفياً.

وغالباً ما تكون الأطعمة المريحة وفيرة في هذا الوقت من العام، ويمكن أن تكون مغرية، ولكن من المرجح أن تؤدي إلى الشعور بالثقل والبطء. ابذل مجهوداً إضافياً لتناول نظام غذائي متوازن غني بالخضراوات والفواكه والبروتينات والدهون الصحية.

رغم أنه من المهم أن تكون اجتماعياً وتتواصل مع الآخرين، فإن الوقت الخاص ضروري للقيام بما تودُّ القيام به بهدوء، إذ يمكن البحث عن وجهات سياحية ذات شواطئ رملية مشمسة ومياه زرقاء صافية.

وإذا كان خيار الإجازة غير وارد، حاوِل التأمل الموجَّه والتخيُّل. يمكن أن ينقلك التأمل الموجه (في عقلك) حرفياً إلى مكان دافئ مليء بأشعة الشمس.

أخيراً، فإن التطوع بوقتك يمكن أن يحسّن الصحة العقلية ومشاعر الرضا بشكل عام. يمكن التطوع في مراكز اجتماعية أو مساعدة المسنين أو حتى التطوع برعاية الأطفال