“العدل” تنبش الدعاوى القديمة استعداداً للتفتيش
دمشق- ريم ربيع
لم يفلح التعميم الأخير الصادر عن وزارة العدل حول الدعاوى المتراكمة في تحقيق تقدم واضح وتحريك هذه الدعاوى المتباطئة، وكل ما أثمر عنه أنه أستطاع أن “يقلّب مواجع” المتقاضين الذين عاش منهم نصف حياته بين أروقة المحاكم، ومنهم من ورث الدعاوى كمن يرث المال والعقارات، فالتأخر والمماطلة التي تعترض الكثير من القضايا جعل من التوجّه للمحاكم مأزقاً يفضّل الأغلبية تجاوزه والقبول بضياع حقه، أو تحصيل جزء بسيط منه بالتراضي على مبدأ “أمران أحلاهما مرّ”!.
وطبعاً تعميم وزير العدل طلب من المحامين العامين إعداد جدول بالدعاوى التي مضى عليها أكثر من سنتين في كل محكمة مدنية أو جزائية أو دائرة تحقيق أو لدى قضاة الإحالة، تمهيداً لإرسال بعثات تفتيشية للتدقيق فيها، حيث يوضح المحامي العام الأول بدمشق القاضي محمد المهايني أن البعثات التفتيشية تقوم بجولة على الدعاوى المقامة أمام المحاكم ودوائر التحقيق والإحالة، وتتأكد من تواريخ وصول الدعاوى لكل محكمة، وأسباب تأخيرها، سواء ما يتعلق بالخصوم أو القاضي.
فإن كان السبب هو القاضي –يتابع المهايني- سيتخذ الإجراء القانون المناسب بحقه، وإذا كان السبب هو الخصوم فسيتمّ التوجيه بتقليل مدد المهل التي يطلبونها، علماً أن سبب التأخير غالباً ما يكون من الخصوم، فأحد الأطراف يكون له مصلحة بالمماطلة وتأخير التقاضي، وإذا أبرز الخصم مذكرة أو أي بيان فالطرف الآخر يستمهل ليجيب وهو ما يتطلّب وقتاً طويلاً مرة بعد أخرى.
وبالنسبة لاتهام التبليغات بأنها السبب الأهم في تأخير الدعوى، يوضح المهايني أنها محدّدة بقانون أصول المحاكمات المدنية الذي عالج كل الحالات فيها، مشيراً إلى نقص في عدد المحضرين “مرسلي التبليغات”، حيث تمّ تخصيص كل منطقة بمحضرين اثنين، و4 محضرين للمحامين.
ولفت المهايني إلى تحضير البنية التحتية للأتمتة بدمشق بهدف تسريع إجراءات التقاضي، كما تضمن قانون أصول المحاكمات المدنية الجديد التبليغ الإلكتروني ليتمّ كخطوة أخيرة في حال لم ينفع التبليغ التقليدي.
بدوره لم يبدِ المحامي عارف الشعال الكثير من التفاؤل بجدوى هذا التعميم، فالإسراع بالتقاضي يتطلّب معالجات كثيرة، كتعديل قانون أصول المحاكمات المدنية المتضمن ثغرات عديدة تتيح المماطلة بالتقاضي (كدعوى إعادة المحاكمة) التي توقف تنفيذ الحكم لسنوات بدلاً من إعطاء سلطة تقديرية للقاضي فيها، فضلاً عن الكثافة الكبيرة في الدعاوى أمام عدد محاكم قليل، والتبليغات التي تشكل العقبة الأولى في الدعوى.
ويشير الشعال إلى أن وزارة العدل سبق وشكّلت لجنة لتعديل قانون أصول المحاكمات المدنية، وبعد الكثير من النقاشات والمقترحات وضعت أعمال اللجنة “بالدرج”، مطالباً بإحياء اللجنة مجدداً وإجراء تعديلات أساسية على القانون.
ويرى الشعال في كثرة تنقلات القضاة أثراً سلبياً على التقاضي، فهناك قضاة تمّ نقلهم ثلاث مرات خلال أشهر قليلة، ما عطّل الكثير من الدعاوى، إضافة إلى اعتماد الوزارة أسلوب التركيز على كمية فصل الدعاوى ولو كان ذلك على حساب النوع، فالبعض يستسهل الدعاوى الصغيرة لسرعة الفصل فيها.
ويؤكد الشعال ضرورة إصلاح دائرة المحضرين والتفتيش عليها للتخفيف من إشكالية التبليغات، فبالإضافة إلى النقص الكبير في عددهم أمام ضخ الدعاوى الهائل، لا يقوم المحضر بالتبليغ إن لم يلاحقه المدّعي ويتابعه خطوة بخطوة حتى يتأكد من وصول التبليغ.