مجلة البعث الأسبوعية

الكلمة بألف معنى والصحافة ابنة الآثار والكتابة

 

البعث الأسبوعية-غالية خوجة

الإبداع محور يجمع الأدب والصحافة، فكم من كاتب امتهن الصحافة، وكم من صحافي صار كاتباً، لذا لا بد من التساؤل: ما مصير مقولة كل كاتب صحافي وليس كل صحافي بكاتب؟ وهل حقاً الصحافة تقتل إبداع الكاتب؟ وهل لا يجوز أن يكون الكاتب صحافياً باعتقاد البعض لأن الحضور الميداني وممارسة التصوير تهزان مكانته!؟ وما تأثير الصحافة على أسلوب الكتابة، وأسلوب الكتابة على الصحافة، وما دورهما في المجتمع؟

الآثار صحافة العصور

نشأت الصحافة من الكتابة، وهي ابنتها الشرعية على مر العصور، وهذا ما تثبته الآثار الأركيولوجية على جدران الكهوف وأوراق البردى والرقيمات الطينية وأولها الأوغاريتية السورية وألواح إيبلا التي تثبت للعالم أن مصدر الكتابة والصحافة والإعلام هو هذا الوطن.  

الشاعر أول صحافي

العرب أمة تعتز بشعرها وشعرائها، وكانت قبائلها كلما أنجبت شاعراً احتفلت به لأنه صوتها  ووسيلتها الإعلامية والدفاعية، وكانت وما زالت سوق عكاظ شاهداً على أهمية الشاعر، لكن، لماذا انقلبت حالة الشعر والشعراء؟ هل لكثرة المتطفلين والمرتزقة والمنافقين؟ أم لما مرت وتمر به الأمة العربية من تحديات وجودية؟

مائة عام من الألفة

ومع تطورات العمل الصحافي وأدواته المادية واختراع الحبر والدواة والقرطاس والريشة والقلم ثم آلات الكتابة وصولاً إلى الشاشات الرقمية، والأدباء منخرطون في هذا المجال كجناح إضافي لعقولهم وأفكارهم، وهذا ما دفع غابرييل غارثيا ماركيز للعمل في الصحافة، مؤكداً في أحد حواراته على شخصيته الصحافية وذلك بعد فوزه بقليل بجائزة نوبل:”لا أريد أن يتذكرني العالم بـ”مائة عام من العزلة”، ولا بـ”جائزة نوبل”، وإنما بكوني صحافياً. أنا ولدت صحافياً، وأنا اليوم أشعر بنفسي صحافياً أكثر من أي وقت مضى، هذه المهنة في دمي”.

ومن الكتاب الذين عملوا في الصحافة نذكر ليو تولستوي، مارك توين، أنطون تشيخوف، جوروج أورويل، إدغار آلان بو، تشارلز ديكنز، آرنست همنغواي، غراهام غرين، مي زيادة، طه حسين، إبراهيم المازني، عباس محمود العقاد، توفيق الحكيم، حسنين هيكل، زكي مبارك، أحمد أمين، جمال الغيطاني، محمد الماغوط.  

إذن، العمل الصحافي يجعل الكاتب أكثر اقتراباً من الحياة، فتصبح نصوصه أكثر إبداعاً وأطول حياة لأن الناس والأحداث في الميدان الصحافي ستتسلل من لا وعيه إلى كلماته ومعانيها، وتبث حياة متنوعة بين الواقع والخيال، فيبدع في المجالين الكتابي والصحافي.

ما أهم الفروقات؟

تختلف فروقات الكتابة الصحافية من حيث الأداء والأسلوب، فكلما كانت أعمق وأكثر تشويقاً وفائدة وفنية، اجتذبت اهتمام القارئ والمترجم بكيفية صياغتها المبنية على الثقافة المعرفية الشاملة، فتكون كلمتها بألف معنى لتتوازن مع الصورة الصحافية التي هي بألف كلمة.

الأثر الصحافي أسلوب

من المتوقع أن تغتني الصحافة بالكتّاب الذين يغتنون منها أيضاً الكثير من وظائف اللغة التوصيلية والنسقية والنحوية والدلالية والجمالية، فيبادلونها عمقاً أسلوبياً ومعانٍ متعددة وغابات من الصياغات الفنية المتجددة المناسبة لقارئ يبادلهم الاحترام والاهتمام والمصداقية والمعرفية، مما ينتج علاقة وشائجية محببة هدفها المزيد من القراءة والمتابعة، فما آراء كتابنا الصحافيين؟

الصحافي يوجد الحل

أجابتنا الكاتبة الإعلامية بيانكا ماضية أمين تحرير جريدة الجماهير: لايمكن أن يبدع الصحافي في الصحافة الثقافية إن لم يكن متمكّناً من أدواته، فللأسلوب الأدبي الذي يتميز به تأثير مباشر في نفس المتلقي، وقد كنت من أولئك الصحافيين الذين لايستهوون الكتابة الصحافية المقعدة بأسلوبها الذي لا يمكن الخروج عنه من حيث الصياغة، فأكثر ما كان يزعجني، مثلاً، كتابة خبر لايمكن أن يضمّنه الصحافي ما لديه من ميزة في الكتابة.

وأضافت: لم تكن بداياتي في الصحافة وإنما في الكتابة الأدبية لاسيما النقدية، ثم بدأت كتابة الزوايا بتضمينها أسلوباً نثرياً، تميّزت به على حدّ قول القراء، وقول أساتذتي أمثال العلامة محمود فاخوري ود.عبد الكريم الأشتر ود.أحمد ارحيّم هبو، رحمهم الله، فهو ليس أسلوباً صحافيّاً بقدر ماهو أسلوب نثري أدبي ثم بدأت علاقة التأثر والتأثير، فلا يمكن للكاتب إلا أن يضفي لمساته الأدبية على كتاباته الصحفية، وهذا الأمر يستسيغه القارئ إذ يبتغي قراءة مختلفة عما هو مألوف.

واعتقدت أن المجتمع لامشكلة لديه في أن يكون الكاتب صحفيّاً أيضاً، لأن ما يريده هو طرح مشكلاته، وإيجاد حلولها، وهذا من واجب الصحافي، بينما الأدب فلا يقدّم حلولاً بل يصف المشكلة الإنسانية.

وتابعت: العمل الصحفي يستهلك طاقة ووقت الكاتب، رغم اطلاعه كصحافي على الكثير من الفعاليات الثقافية والفنية ومتابعته المشكلات التي قد تعطيه أفكاراً ليشتغل عليها أدبياً، إلاّ أن له إيجابيات أخرى، مثلاً، أغلب موضوعاتي التي كتبتها قصصاً سردية أمدّني بها عملي الصحافي، مثل قصص الحرب وقصص الجنود الشهداء، لذا، الكاتبة والصحافية، صفتان أحبّهما لأني من خلالهما وجدت نفسي وطرحت أفكاري وسرت في طريق لطالما كان حلمي منذ الصغر.

إضافة إيجابية

وأخبرنا الكاتب د.فايز الداية عن مشاركته الصحافية ضمن المجال الثقافي منذ 1971في جريدة الثورة ثم الموقف الأدبي ومعهما في حلب جريدة الجماهير، وتابع: كنت في لبوس الصحافي في الكويت لكتابتي الشهرية في أكثر من مجلة: الكويت، العربي، البيان، وتواصلي مع الأدباء والكتاب، وهذا أضاف إليّ شخصية إعلامية اغتنت بمشاركات عديدة في برامج إذاعية وتلفازية، وكان التفاعل إيجابياً وعرفني الطلاب وأهاليهم في الكويت والإدارة العلمية، وهذا كله يؤطر نشاطي المستمر الآن في حلب، فسمة الصحافة والإعلام إضافة إيجابية بحسب تجربتي التي رافقت العمل الجامعي منذ سنوات.

وعن  طبيعة العلاقة بين الكتابة الصحافية في المجال الثقافي والكتابة النقدية، أجاب د.الداية: يتيح الخطاب الصحافي فرصة للتفاعل مع شرائح القراء، لأن الكتابة الأكاديمية الموغلة في المصطلحات لا تصلح إلا للمتخصصين، وهكذا يتم تبادل متوازن مع التمرس الطويل، فالمادة الصحافية تكتسب منهجية علمية وقدراً جيداً من المعرفة مع أسلوبية تعبيرية ملائمة، وعندما يتوجه الأكاديمي الصحافي إلى التدريس تبدو لديه قدرات التوصيل العالية والتدرج في مختلف المواقف.

الالكترونية تبتلع الورقية

بينما رأى الباحث محمد قجة أن الصحافة تمثل السلطة الرابعة، لتكون بمثابة الرقيب على السلطات جميعاً لأنها تنبه إلى الهفوات والعثرات ليتجنبها المهتمون في هذا المجال.

وأضاف: الصحافة سواء كانت المقروءة أو المسموعة عبر الإذاعات والتلفزيونات المحلية والفضائيات، ثم في وسائل التواصل الاجتماعي التي تبدأ ولا تنتهي ـ وللأسف، صارت تبتلع الصحافة الورقيةـ هذه الصحافة يختلف وضعها بين المجتمعات الشمولية والمجتمعات المدنية التي فيها سلطة ومعارضة، والصحافة عموماً ليست مجرد رأي سياسي، بل توثيق لمرحلة يعيشها المجتمع من الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفنية والرياضية، ولهذا، فحينما نريد مثلاً أن نعرف تأريخ سورية قبل 100 عام فإن الصحف التي كانت تصدر هي التي تعطينا تلك الصورة، وفي بلادنا كان السبق منذ منتصف القرن التاسع عشر حينما صدرت بعض الصحف سواء محلياً أو في المغترب بأسماء سورية.

وعن تجربته، قال: كتبت في أكثر من 50 جريدة ومجلة عربية خلال 4 عقود ماضية، وكان لبعض هذه الكتابات الشكل الدوري خصوصاً في الصحافة المحلية التي كتبت فيها جميعاً سواء الصحف أو المجلات، كما كانت لي زوايا ثابتة خارج سورية مثل أخبار الأدب المصرية لعدة سنوات، أو الحياة الثقافية التونسية التي كان لي فيها مقال شهري لمدة طويلة، وغيرها من صحافة دول العالم واللقاءات التلفزيونية التي أجريتها من خلال زياراتي وحضوري المؤتمرات العلمية والندوات الدولية.

وأكد: الصحافة والإعلام صوت ينبغي أن يبقى مرتفعاً، له استقلاله، وعليه تقديم وجهات نظر متباينة لأن الشمولية التي تجعل الصحف تتكلم بلغة واحدة أو تنطق باسم من يمولها تفقد الإعلام هذا الزخم الذي نريده، ولهذا فإنني كمتابع لشؤون الإعلام أقول: إن السلطة الرابعة هي الناطق الصادق الذي ينبغي أن يكون الموثق لكل أحداث المجتمع بكل جوانبها وعن سائر فئاتها وطبقاتها لأن هذا الذي يبقى للأجيال القادمة.

لحظات مسروقة

رأت الكاتبة الإعلامية إيمان كيالي أن العمل الصحافي يسطو على وقتها خصوصاً وأنها مديرة مكتب صحيفة بقعة ضوء، لذلك تسترق اللحظات لكتابة القصيدة أو القصة سواء في وسائل النقل العام أو في البيت، وتضيف: أكتب بالقلم ومعي دفتري، وربما سألني الآخرون كيف أستطيع الموازنة بين الصحافة والكتابة؟ فأجيب بأنني أعمل أكثر من طاقتي على مواهبي المتعددة.

وأكملت: الكتابة بحاجة للتفرغ، والإعلام بحاجة للتفرغ، وهذا مرهق، لكن الحياة وصعوباتها تفرض علينا السعي والعمل، ولهذا الضغط تأثيراته، منها على ممارستنا للقراءة لصالح قراءة الأخبار والشكاوى، كما أننا في زمن الاختصاص نتعرض لبعض الانتقادات مثل على الشاعر أن يكون شاعراً فقط، والباحث باحثاً فقط! وبرأيي ليس الاختصاص انفصالياً مادام الإنسان بارعاً في الاختصاصين.

واعتقدت أن المرأة التي تستطيع متابعة مواهبها المختلفة إلى جانب الإعلام مثل الرسم والموسيقا والكتابة متميزة وإيجابية لكن دون تشجيع من البيئة المحيطة بها، وهذا بحاجة لمزيد من الاهتمام لكي نساهم جميعاً في البناء والتطوير.

كاتب صباحاً إعلامي ظهراً

وعن علاقته بين المجالين، حدثنا الكاتب الإعلامي فيصل خرتش: عندما كنت في الصف الرابع سأل الأستاذ: ماذا تريد أن تصبح في المستقبل؟  فأجبته أريد أن أعمل صحافياً، فضحك التلاميذ لأنهم لا يعرفون معنى كلمة الصحافة! وكبرت وأصبح همي العمل في الصحافة، فأول عمل نشر لي وعمري 20 عاماً كان في صحيفة البعث 1972، ثم تطور فهمي للعمل الصحافي فأصبحت مراسلاً للأسبوع الأدبي من حلب ولمدة 15 عاماً، ثم مراسلاً لجريدة الشرق الأوسط، الحياة، فالبيان، تشرين، الثورة، وحتى الآن مع جريدة البعث.

وأضاف: أبدأ عملي ككاتب في الصباح ثم أنهيه بعد الظهر كصحافي، والعمل الصحافي لا يضايقني، بل أشعر أنه يمنحني العمل والشوق، ودائماً، أسعى لأن أطور نفسي بخلق مواضيع جديدة ومفيدة.