رعد خلف يجسد نبض المدينة بمرافقة أوركسترا ماري
“مدينتي” المدينة النابضة بالحياة الدائرة متجاوزة أوجاع الحرب، كانت المشروع الجديد للمايسترو رعد خلف الذي اشتُهر بتأليفه الموسيقي للموسيقا التصويرية لأهم الأعمال العربية والمواد الموسيقية ضمن مشروعاته، التي استُمدّ بعضها من موسيقا الشعوب والحضارات القديمة، إضافة إلى الأعمال الخاصة التي كُتبت لأوركسترا عازفات ماري والضيوف، فبعد “قهوة، وروح الفرح، وحب ونساء.. وغيرها”، قدّم على مدى يومين على مسرح الأوبرا مشروع “مدينتي” المتكامل من حيث اللحن بخاصية السينما المبرمجة والصورة البصرية السينمائية والمشهدية المسرحية باللهجة المحكية والغناء مع الرقص، وأخرجها سينمائياً إبراهيم الخياط.
وقد أوحت موسيقا “مدينتي” بدوران الحركة اليومية وممارسة المارة حياتهم الطبيعية، إضافة إلى تناوله صوراً من مشهدية الحرب والدمار الذي لحق بالمدن السورية، مركزاً على الأمل القادم أطفال سورية الذين عاشوا أوجاع الحرب، من خلال مجموعة مقطوعات ترافقت مع الصور السينمائية والإيحاءات التعبيرية للشاشة كأحد عناصر المشروع مع فنية الإضاءة.
وبدت خصوصية البنية اللحنية التي يكتبها خلف بالتمازج اللحني بين الأبعاد الصوتية للإيقاعيات والوتريات والبيانو- بشرى خير بيك- مع آلات النفخ الخشبية وجزء من النحاسيات والبزق- روضة كنايسي- والغيتار، وبالتكثيف الموسيقي خاصة للوتريات.
سرعة الحركة
وزاد من جمال البنية اللحنية والأداء العناوين الشائقة للمقطوعات مبتدئاً بـ”سرفيس البلد” وبالتصاعد الموسيقي المترافق مع الحركة السريعة للصورة البصرية لسير السرافيس وازدحام السيارات بالاتجاهين وتقاطع حركة المرور مع ضربات التيمباني والقفلة المفاجئة، ثم مهّدت الصورة الحالمة للأغنية الرومانسية التي غناها روجيه اللحام “بلحظة” واتخذت النمط اللحني الهادئ المتناغم مع كلمات الأغنية وطبقة صوت اللحام “بلحظة خليك عم ترقصي ليموت مبارح”.
الدخان المتصاعد
تغيّرت الأجواء مع الدخان المتصاعد من الشاشة وتحركات الشخوص في مقطوعة “سهرة شباب” مع الغيتار والبيانو والإيقاعيات الخفيفة ثم التصاعد الموسيقي مع تشكيلة الأوركسترا.
وعودة إلى الرومانسية بأغنية “لاتروح” ومفرداتها العاطفية “إنت الباقي بالروح لاتروح”، والضرب الإيقاعي الخافت على الطار مع الأوركسترا بمشاركة راقصة الباليه لجين ملاك بلوحة راقصة مع روجيه اللحام، عبّرت فيها بلغة انثناءات الجسد عن حالة الاحتياج العاطفي، تكاملت مع تدرجات ضبابية الملامح للصورة باللونين الأبيض والأسود.
كما تميّزت مقطوعة “بيت عربي” المترافقة مع معالم دمشق القديمة وفن عمارتها بالموسيقا القوية التي تعكس تاريخ هذه المدينة الخالدة وحضاراتها المتعاقبة بالضربات الإيقاعية القوية وتمازج الخط الإيقاعي مع الوتريات، والبزق والآلات النفخية ضمن تشكيلة الفرقة.
ثلاثية الحرب اختزلت “جريح وطن، معركة، أطفال” مشاهد التفجيرات والمعارك والاشتباكات والرصاص والقذائف والنيران المتأجّجة بالصورة والموسيقا، فمن البداية الحزينة لنغمات البيانو والوتريات وحضور التشيللو والمؤثرات الإيقاعية إلى التصاعد الموسيقي ودور النحاسيات وآلات النفخ الخشبية والتكثيف الموسيقي، لتأتي القفلة مع التشيللو واللحن الحزين.
الأسلاك الشائكة
المنعطف بالأمسية كان مع مشاركة الكاتبة لوتس مسعود التي اتخذت دور الراوي لحكاية الحرب والبلد التي كان من الممكن أن تضيع لولا الإيمان بالنصر والصمود والثبات، وقدرة الأطفال الذين تجاوزوا الخوف من أصوات القنابل وتمسكوا بالحياة، لتخلص مسعود إلى أن الأرض باقية لأصحابها “المكان لإلي”، ترافق السرد مع فيلم تعبيري انتهى بقفلة موحية بالدلالات والإيحاءات بالأسلاك الشائكة إيماءة من مشروع “مدينتي” بأن الجولان وفلسطين وكل الأراضي المحتلة لابد أن تعود إلى جغرافيتها وأصحابها.
وتقاطعت مقطوعة “سوق خضرة” من حيث التكثيف الموسيقي والحركات السريعة مع مقطوعة “سرفيس البلد”.
حوارية غنائية
المنعطف الثاني بالأمسية كان مع المشهدية المسرحية بحوارية غنائية استعراضية بين أربعة شباب يرتدون ثياباً شعبية معاصرة ويتبادلون سحبة النارجيلة “قلي دخلك قلي”، يشبه الاسكتشات الاجتماعية الناقدة وتوحي موسيقاه بشيء من روح الفلكلور والتقطيع الموسيقي، وتمّ توظيف الضرب الإيقاعي على الطبلة مع عزف الأوركسترا بمشاركة روجيه اللحام بالحوار الغنائي “دخلك خدلك سحبة”، فبدا دور البزق والإيقاعيات وآلات النفخ الخشبية والنحاسية وصوّرت الخلفية السيارة الماضية بطريق الضيعة.
اختُتمت الأمسية بمقطوعة “نشيد ورقصة” المؤلفة من بدايات متكررة ووقفات بحضور البيانو والقفلة مع متتالية التيمباني على وقع معالم دمشق والعلم العربي السوري المرفرف فوق أرجائها.
قدّم مشروع “مدينتي” بتقنية صوتية عالمية جديدة “minus one acoustic “technology والتي استخدمها ياني وفانغليس وبراين تايلون وغيرهم وكبرى الشركات العالمية، واستضافت أوركسترا ماري عازفي الإيقاع جوليان خوري وشفيق ياغي والمغنين مجدي أبو عصفور وفادي زرقا، وبمشاركة الشاعرة حلا الجابر.
مادة موسيقية درامية
وعلى هامش الأمسية تحدث المايسترو رعد خلف عن مشروع “مدينتي” وتأليفه مادة موسيقية ذات بعد درامي بأن يكون لها عنوان وفحوى داخلي، وأن مشاركة الشباب (روجيه اللحام ولجين ملاك وحلا الجابر ولوتس مسعود) هي تتمة فنية وفكرية ومعنوية للمشروع، فمدينتي تصوّر حالة الشباب في المجتمع خلال الحرب، وقد تمكن من تناول بعض الزوايا حتى الطريفة لنقرأ مدينتي بعد الحرب. وأضاف: يمكن لمشروع مدينتي أن يُقدّم في أية مدينة سورية بعد تغيير الخلفية، ويهدف إلى تقديم الحياة العامة وألا يصبح الفن الموسيقي نخبوياً، فمادتنا منوعة من الكلاسيكية إلى التوزيع الموسيقي إلى التصويرية إلى أقصى الشرقي، وتتفرد موسيقا أوركسترا ماري التي تضمّ عازفات من معهد صلحي الوادي والمعهد العالي للموسيقا ومن خريجات الجامعات الأوروبية بصناعة موسيقية خاصة تكون قريبة من المستمع.
وجع الشباب
وتابع المغني روجيه اللحام الحديث عن مشاركته بأغنيات عبّرت عن إحساس عاطفي، ورأى أن فكرة المشهد المسرحي الجماعي غريبة بالطرح على المسرح وتعكس وجع الشباب الذي يرافقهم في أي مكان.
ملده شويكاني