شولتس مستشاراً لألمانيا.. من هو؟ وما هي التحديات؟
علي اليوسف
فاز أولاف شولتس ممثل الحزب الاشتراكي الديمقراطي بالمستشارية الألمانية في تصويت برلماني اليوم الأربعاء، ليحلّ بذلك محل أنجيلا ميركل بعد أن أمضت 16 عاماً في هذا المنصب.
من هو أولاف شولتس غير المحبوب كثيراً في الحزب صاحب الشخصية الصارمة، لخلافة أنجيلا ميركل على رأس ألمانيا، وما هي تحديات الحكومة الجديدة؟
منذ وقت قصير، كان يُقال إن الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي ينتمي إليه شولتس يحتضر، إلا أن هذا الأخير تمكّن ليس فقط من الفوز بالانتخابات التشريعية التي أُجريت في أيلول الماضي، بل نجح أيضاً في تشكيل ائتلاف حكومي غير مسبوق دون أي عقبة مع حزب الخضر والليبراليين.
يستلهم شولتس أسلوب ميركل، حتى إنه يقلّدها في الإيماءات، إلى درجة أن صحيفة “تاتس” اليسارية وصفته بأنه نسخة “متحوّرة” من المستشارة الألمانية. وقد نجح شولتس في فرض نفسه رغم أنه لا يزال غير معروف كثيراً بالنسبة للألمان أنفسهم. ولا تتوافر أي سيرة للمستشار المقبل، رغم أنه شغل مناصب وزارية مرات عدة، وكان رئيساً لبلدية هامبورغ، ثاني مدن ألمانيا.
تنقّل شولتس – الذي وصفته مجلة “دير شبيغل” الأسبوعية بأنه “تجسيد للسياسي الممل” – بين كل مستويات الشأن العام منذ سبعينيات القرن الماضي. ولد أولاف شولتس في أوسنابروك في 14 حزيران 1958 وكان والده تاجراً ووالدته ربّة منزل. وانضم إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي في العام 1975 في سن السابعة عشرة، وهو يميل أكثر إلى التيار اليساري للحزب. وبالتوازي، كان شولتس يتابع دراساته في القانون، وأسّس عام 1985 مكتب محاماة متخصصاً في قانون العمل، ودافع عن الموظّفين في عدد كبير من الملفات، في أعقاب توحيد ألمانيا عام 1990، في قضايا خصخصة أو حلّ شركات في ألمانيا الشرقية السابقة.
انطلقت مسيرته فعلياً عندما وصل الاشتراكي الديمقراطي غيرهارد شرودر إلى المستشارية، وانتُخب شولتس عام 1998 نائباً وأصبح أميناً عاماً للحزب عام 2002.
يلقي خطبه بنبرة رتيبة أكسبته لقب “شولتسومات” (المستوحى من كلمة تعني الشخص الذي يتصرّف كرجل آلي) ما يثير انزعاجه. وصرّح قبل فترة قصيرة لمجلة “دي تسايت”: “أنا رصين وبراغماتي وحازم. لكن ما دفعني إلى العمل السياسي هو المشاعر”، داعياً إلى “مجتمع عادل” يكون لدى “كل شخص فيه آفاق جيّدة في حياته الفردية”.
في العام 2005، انقسم اليسار الألماني بسبب تحرير سوق العمل في بلد كان يُعتبر آنذاك “الرجل المريض في أوروبا”، وهو ما سرّع هزيمة شرودر أمام أنجيلا ميركل. وأصبح شولتس الذي تعمل زوجته بريتا أرنست أيضاً في السياسة وهي وزيرة التعليم في منطقة براندنبورغ، وزيراً للعمل عام 2007، كما أصبح رئيساً لبلدية هامبورغ في العام 2011.
في العام 2018، خلف شولتس المسيحي الديمقراطي فولفغانغ شويبله في وزارة المال وواصل النهج المالي الصارم لهذا الأخير. وقد ساهم موقعه الوسطي في تهميشه داخل حزبه، لدرجة أنه في عام 2019، فضّل الناشطون استبعاده عن رئاسة الحزب. مع ذلك، تمكّن شولتس من العودة بقوة بفضل الوباء ولم يتردّد في الخروج عن بنود الميزانية معتمداً السخاء في الإنفاق.
ورغم نكسة العام 2019، اختار الحزب الديمقراطي المسيحي، أحد أقدم الأحزاب الأوروبية، أولاف شولتس لتمثيله، رغم الانتقادات التي استهدفت الوزير بعد الإفلاس المدوي لشركة فايركارد المالية.
تحديات الحكومة الجديدة
تنتظر شولتس ملفات سياسية شائكة، إذ تريد الحكومة الألمانية الجديدة حلّ المشكلات التي تواجهها في عدة مجالات، على رأسها جائحة كورونا والرقمنة وتحديث البنية التحتية وحماية البيئة.
في ظل الارتفاع الكبير لعدد الإصابات والوفيات نتيجة الإصابة بعدوى فيروس كورونا، تعدّ مكافحة الجائحة من أكثر الأمور إلحاحاً، التي تمّ التوصل إلى اتفاق على تشكيلها بين أحزاب: الاشتراكي والديمقراطي الحر (الليبرالي) والخضر. وفي مؤتمر صحفي تمّ الإعلان فيه عن اتفاق الائتلاف الحكومي، أشار شولتس إلى أنه سيتمّ تشكيل فريق دائم لإدارة أزمة كورونا ومكافحة الجائحة، كما أشار إلى اعتزام الحكومة فرض التلقيح الإلزامي للعاملين في مرافق ومراكز الرعاية الصحية.
وتحتل حماية البيئة جزءاً مهماً من اتفاقية الائتلاف الحكومي، وستكون من مهام عدة وزارات وهيئات حكومية. لذلك سيتمّ فحص القوانين مستقبلاً من الجانب البيئي أيضاً. ومن ضمن ما تم الاتفاق عليه في هذا الإطار هو التوسع في الطاقة النظيفة من خلال زيادة محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وحتى عام 2030 يجب أن يكون 80 بالمائة من الطاقة الكهربائية المستهلكة في ألمانيا من مصادر الطاقة المتجدّدة النظيفة ونصف التدفئة تتم من دون انبعاثات، هذا بالإضافة إلى عدم استخدام الفحم لاستخراج الطاقة بعد عام 2030.
وحسب اتفاق الائتلاف الحكومي، من المقرّر أن يتمّ تعديل قانون الجنسية وجعل اكتسابها ممكناً بعد خمس سنوات أو حتى بعد ثلاث سنوات إذا كانت هناك إنجازات خاصة في مجال الاندماج. والأطفال الذين يولدون في ألمانيا لوالدين أجنبيين سيكتسبون الجنسية مباشرة بعد ولادتهم إذا كان أحد الوالدين مقيماً في ألمانيا بشكل قانوني منذ خمس سنوات. كما سيتمّ تسهيل الهجرة الشرعية وجعل ألمانيا أكثر جاذبية للمهاجرين، والتصدي للهجرة غير الشرعية. كما سيتمّ تسريع إجراءات اللجوء، هذا بالإضافة إلى إمكانية الحصول على تأشيرة سفر إلى ألمانيا عن طريق الانترنت وتسريع إجراءاتها. كما سيتم “إلغاء حظر العمل” بالنسبة لكل المقيمين في ألمانيا.
كما اتفقت أحزاب الحكومة الجديدة على جعل ألمانيا مستعدة وجاهزة لعصر الرقمنة الجديد، ومكافحة الإجراءات البيروقراطية التي تعيق ذلك. وفي هذا المجال تمّ الاتفاق على البدء بالرقمنة في الإدارات والهيئات الحكومية، بهدف تسهيل وتسريع إجراءات الترخيص، ولاسيما فيما يتعلق بالبنية التحتية.