بين النقد والإعلام
البعث الأسبوعية- سلوى عباس
هناك علاقة تبادلية بين النقد والإعلام، سواء كانت وسائل الإعلام مقروءة أم مسموعة أم مرئية، فعن طريق الأدب تتبلور وجهات النظر النقدية، والأدب بحاجة للإعلام لأنه يعرّف بماهيته ويسهم بشكل مباشر حيناً وغير مباشر حيناً آخر في تقديم الأدب لجمهور المثقفين لتكوين نظرية نقدية تنقي النتاج الأدبي من رواسبه وثغراته، لكن علاقة الأدب بالنقد لم تأخذ شكلها أو غايتها التي يطمح إليها النقاد والأدباء، فهذه العلاقة تحتاج في الكثير من جوانبها وأبعادها إلى التوضيح، إذ نرى هناك من يتهم الإعلام بالتقصير في تقديم الأدب ويتحدثون عن طبيعة الأدب المرتبطة بالسوق التي تؤثر في كل شيء حتى في القيم والايدولوجيا، فتعدل سيكولوجيا الإنسان بما يتوافق مع متطلبات السوق التي تعمل على استغلال الإعلام لإيصال مفاهيمها وقيمها وفرض هيمنتها على كافة المراكز، كذلك وجود ظاهرة تقليد المتخلف للمتقدم حيث نرى بعض كتابنا يستعيرون كلمات مقتبسة من بعض الأدباء المشهورين ظناً منهم أن هذا الاقتباس يضفي على مادتهم قيمة فكرية وجمالية أكثر، وللإشارة أيضاً إلى أنهم يتمتعون بكم كبير من المعرفة والاطلاع، فالإعلام ليس مقصراً في حق الأدب لأنه في أغلب الأحيان لا يؤدي مهمته في تحقيق حالة نقدية تكاملية تعطي لكل دوره، يضاف لذلك التناقض الماثل بين طبيعة ووظيفة كل من الأدب والإعلام.
وهناك التباس بين العمل الصحفي والعمل الأدبي فكثيرون هم الذين يكتبون الأدب على أنه صحافة وبالعكس، وهنا تفرض الحالة الاقتصادية والمعيشية ظرفاً يضطر من خلاله الأديب للعمل في الصحافة حتى يؤمّن لقمة العيش، فيختلط الحابل بالنابل، إذ معظم هؤلاء الذين يعملون في الصحيفة يحرصون على إبراز هويتهم الأدبية، فيضيّعون خصوصية العمل الصحفي، وبالتالي لا ينتجون أدباً، مما يسيء للأمرين معاً، جاهلين أو متجاهلين أن الكتابة الصحفية هي نوع خاص يختلف في طبيعته وخصوصيته عن الأدب، والتقصير الإعلامي ليس بسبب التخلف وغياب الإمكانات، وإنما لعدم فهم الصحافة ودورها، فكثير من النقاد أكدوا على أن النقد يلعب دور الوسيط بين المبدع والمتلقي، ويضيء جوانب الضعف في النص النقدي، لذلك يجب أن يصاغ النقد بأسلوب رشيق وجميل ومباشر. وإذا توقفنا عند النقد العربي نراه يتأرجح بين شكلين: نقد صحفي سريع الأحكام، ونقد أكاديمي شديد التخصص ولا يصل إلى الجمهور، وينظر إلى أن الحل يكمن في أن يعي النقد دوره الإعلامي بعيداً عن السطحية والمحافظة على النقد الأكاديمي دون الانحدار إلى النخبوية وتجاهل القارئ، وإعطاء النقاد أولوية في الكتابة النقدية الصحفية، وإعداد الصحفي المختص في النقد بتدريبه تدريباً مناسباً.
وإذا توقفنا عند البرامج الثقافية والأدبية التي تبثها الإذاعة كوسيلة إعلامية نلحظ خصوصية ما يحمله تقديم الأدب إذاعياً كون الإذاعة تتوجه إلى شرائح كبيرة مختلفة الثقافة، وتحديداً في استقطابها للنقاد والأدباء، والأمر ذاته بالنسبة للتلفزيون حيث لا يغيب النقد عن برامج التلفزيون من خلال الحوارات والبرامج الثقافية القصيرة التي تتناول المسلسلات التلفزيونية وصلتها بالنقد، لكن المشكلة تكمن بعدم القدرة على استخدام المصطلحات النقدية وضيق الوقت الذي يحول دون التعمق في تناول أي موضوع، لذلك نحتاج إلى ندوات متواصلة لمناقشة المواضيع الإشكالية وتحقيق التكامل الإعلامي الأدبي، المدعّم بمخزون معرفي وثقافي شامل، لاستدراك النقص وتحقيق مواكبة إبداعية نقدية أكثر عمقاً.