الجوع وانعدام الأمن الغذائي يطرقان الباب عالمياً
سمر سامي السمارة
أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن قلقه إزاء معاناة 88 مليون شخص من الجوع في العالم، ومع ذلك تشير تقارير العديد من وسائل الإعلام والمنظمات العامة إلى أن عدد الذين يعانون من الجوع على كوكبنا يشهد تفاقماً أكبر بكثير من ذلك.
وبحسب تقارير وكالات الأمم المتحدة المتخصصة فإن ثلاثة مليارات شخص تقريباً على هذا الكوكب لا يستطيعون تحمّل تكاليف نظام غذائي صحي ومتوازن، ويُعزى السبب الرئيسي لسوء التغذية وتفاقم الجوع إلى الفقر.
وفي حين أن سكان أوروبا يزدادون فقراً، ويقلّصون سللهم الغذائية في محاولة لتلبية الاحتياجات الأساسية بطريقة أو بأخرى، فقد أصبح الوضع في المناطق النامية من العالم مأساوياً، حيث يواجه الناس هناك خطر الجوع الحقيقي والمجاعة.
يشير تقرير شاركت في إعداده عدة وكالات إلى أنه من 690 مليوناً إلى 820 مليون شخص كانوا يعانون من نقص التغذية في العام الماضي، أي حوالي عشر سكان العالم، وعلى الرغم من التكنولوجيا الزراعية الصناعية الحديثة، تستمر حالة انعدام الأمن الغذائي، وبحسب محللي منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “الفاو” فإن وفاء العالم بالوعد الذي قطعه بوضع حد للجوع بحلول سنة 2030 سوف يتطلب بذل جهود هائلة.
وأشار تقرير عن الجوع على الصعيد العالمي إلى أنه بعد التزام العالم بالقضاء على الجوع وانعدام الأمن الغذائي وجميع أشكال سوء التغذية، مازلنا خارج المسار الصحيح لتحقيق هذا الهدف بحلول عام 2030، وبالإشارة إلى توقعات الخبراء الحالية، يؤكد هذا التقرير أن العالم ككل، و47 دولة على وجه الخصوص، لن يحققا حتى مستويات منخفضة من الجوع بحلول عام 2030.
وبالإضافة إلى القارة الأفريقية وأجزاء من آسيا وأمريكا اللاتينية، تظهر مناطق المجاعة لأول مرة في غرب البلقان، وبعض مناطق الاتحاد السوفييتي السابق، لاسيما في أوكرانيا وجورجيا، وبالتالي، وفقاً لاستنتاجات الوكالات الأوكرانية والمنظمات الدولية، اعترفت سلطات كييف رسمياً بأن أكثر من مليون شخص يعانون نقص التغذية، ونظراً للجمود الذي يعاني منه الاقتصاد الأوكراني، فإن هذا الرقم مهدد بالارتفاع بشكل كبير قريباً، حيث تفيد اليونيسف بأن 9.8 مليون أوكراني يعانون نقص التغذية، ويفتقرون إلى المال اللازم للغذاء.
وبناء على دراسة أجرتها منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، حذرت الأمم المتحدة من أن 23 مليون أفغاني معرّضون لخطر المجاعة والموت، وقالت سامانثا مور، رئيسة قسم الاتصال والمناصرة والمشاركة المدنية بمنظمة اليونيسف في أفغانستان مؤخراً: “إن أكثر من مليون طفل في هذا البلد على وشك المجاعة، إذ يواجه 22.8 مليون شخص تقريباً في جميع أنحاء البلاد انعدام الأمن الغذائي، ويمثّل هذا الرقم أكثر من نصف سكان أفغانستان البالغ عددهم 38 مليون نسمة، حيث لا يستطيع الكثير من الأفغان شراء الطعام، والأطفال الأفغان يفتقدون طفولتهم، لا توجد طفولة هذه الأيام في أفغانستان، كل شيء يتعلق بالبقاء على قيد الحياة، والمضي قدماً نحو اليوم التالي”، وأضافت مور: “اضطر الناس في أفغانستان إلى بيع أطفالهم من أجل توفير الغذاء والحاجات الضرورية في مواجهة الأزمة الاقتصادية والجوع”.
وحذرت الأمم المتحدة من خطر حدوث مجاعة كارثية في اليمن، حيث يوجد حوالي 3 ملايين طفل على شفا المجاعة في أفقر دول العالم التي مزقتها الحرب.
وبحسب موقع (داون) الباكستاني، احتلت باكستان المرتبة 92 من بين 116 دولة في مؤشر الجوع العالمي لهذا العام، إذ تبلغ درجة مؤشر الجوع في البلاد 24.7، وهو مؤشر خطير للغاية، ومن الجدير بالذكر أن باكستان على المستوى الإقليمي تحظى بمرتبة أفضل من الهند التي تحتل المركز 101، في حين أن بنغلادش وسريلانكا “تتفوقان” على باكستان، وتحتلان المرتبة 76 و 65 على التوالي.
وبحسب مجلة “دير شبيغل الألمانية” فإن البلدان النامية ليست الوحيدة التي تلقت ضربة قاسية اليوم من خلال خطر الجوع المتفاقم، حتى الولايات المتحدة تأثرت بشكل مباشر بالمجاعة، وبحسب موقع “أي بي سي نيوز”، تعاني بنوك الطعام الأمريكية من أزمة، حيث إن 42 مليون مواطن أمريكي، أي 1 من كل 8 أمريكيين، سينامون جياعاً هذا العام.
وبحسب منظمة الأغذية والزراعة “الفاو”، ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية عالمياً بنسبة 3 في المئة في شهر تشرين الأول الماضي إلى أعلى مستوى لها منذ تموز عام 2011، وظل المؤشر يرتفع لمدة ثلاثة أشهر متتالية.
الجدير بالذكر أن الأمن الغذائي في العالم يتعرّض للتهديد بسبب دوافع رئيسية كامنة مثل: النزاعات المتزايدة، وتغير المناخ العالمي، وحالات التباطؤ الاقتصادي، وعدم المساواة الصحية الناجمة عن جائحة كوفيد-19.
إن انعدام الأمن الغذائي هو أكثر من مجرد نقص في المواد الغذائية في السوق، فقد أدت الأزمة إلى زيادة أسعار الغذاء، وتعطيل سلاسل التوريد، وتدمير المزارعين في العديد من البلدان، وبسبب أزمة الطاقة وارتفاع أسعار الغاز والكهرباء، يواجه القطاع الزراعي مشاكل خطيرة، من بينها النقص في الأسمدة الصناعية التي يتم إغلاق إنتاجها في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، وتشير بعض التقديرات إلى أن الأزمة الحالية قد تزيد عدد الجياع بمقدار 132 مليوناً.
إن التهديد العالمي الحالي المتمثّل بالجوع، ومماطلة المجتمع الدولي غير المبررة في مكافحته، أمر غير واضح، وبالرغم من أنه في عام 2020، بحسب تقرير الثروة العالمية، كان هناك 20.8 مليون شخص في العالم ممن تجاوزت ثروتهم مليون دولار، ارتفع عددهم خلال عام الأزمة بنسبة 6.3٪، وتأتي الولايات المتحدة في المرتبة الأولى بين الدول من حيث عدد أصحاب الملايين، ففي عام 2020، ارتفع عددهم بنسبة 11.3٪، وبلغ 6.575 مليون شخص، وتشمل البلدان الخمسة الأولى أيضاً: اليابان بـ 3.537 مليون نسمة، وألمانيا بـ 1.535 مليون نسمة، والصين بـ 1.461 مليون نسمة، وفرنسا بـ 714 ألف نسمة، ووصل عدد المليارديرات في جميع أنحاء العالم إلى 3228، وهو رقم قياسي جديد، وفقاً لدراسة أجراها معهد “هورون” للأبحاث، كما وصلت ثروة أثرياء الدولارات في العالم إلى رقم قياسي بلغ 10.2 تريليون دولار بنهاية شهر تموز 2020، واليوم يتجاوز هذا الرقم بشكل كبير.
قال ديفيد بيزلي، المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة لشبكة “سي إن إن”: “في الحقيقة، يمكن لمجموعة صغيرة من فاحشي الثراء أن تحل مشكلة الجوع في العالم من خلال تخصيص جزء بسيط فقط من ثرواتهم لهذه القضية”، وذكر على وجه التحديد، أننا بحاجة إلى 6 مليارات دولار لمساعدة 42 مليون شخص معرّضين لخطر المجاعة، وأضاف: “ستة مليارات دولار لن تحل مشكلة الجوع في العالم، لكنها ستساعد في منع عدم الاستقرار العالمي، والهجرة الجماعية، وإنقاذ 42 مليون شخص على شفا المجاعة”.
في هذا الصدد، فإن الصمت بشأن هذه القضية أمر مثير للدهشة، ما يجعلنا نتساءل: هل يمكن للمجتمع “الديمقراطي” الحالي الذي تتشدق واشنطن ببنائه في عقد قمته الوهمية من أجل الديمقراطية أن يحل مشكلة الموت جوعاً؟ وماذا يجب على المجتمع الدولي أن يفعل من أجل ذلك؟