بين الترويج وترتيب البيت الداخلي.. د. ياغي: سياسة نقدية توافق الاستثمار خلال الفترة القادمة
دمشق – فاتن شنان
تمخّضت الدعوات المتعدّدة للاستثمار في سورية عن توقيع عدد من الاتفاقيات الاقتصادية، آخرها مع الجانب الإماراتي، ما يمهّد لتعبيد مسار الاستثمار والبُشرى بقرب انطلاق مشاريع استثمارية برؤوس أموال عربية وأجنبية. لكن، وعلى الرغم من أهمية الخطوة المتخذة، إلا أنها تبقى في خانة الإنجاز المبدئي ما لم تتبعها خطوات على أرض الواقع من الجانبين، ولعلّ أهم ما يمكننا البدء به هو مكاشفة صريحة واضحة تؤسّس للجهات صاحبة الاتفاقيات، وغيرها المنتظرة على تخوم الاستثمار، الأرضية لالتقاط الفرص على أرضية صلبة تبدّد المخاوف وتعلن شارة الانطلاق.
ورغم التفاؤل المصاحب للحراك الاقتصادي على المستويين الإقليمي والدولي، لا تزال بعض الأصوات المنادية بضرورة تصحيح أوصاف الواقع الاقتصادي وخدماته – كونه حجر الأساس – لاعتمادها في الدعوات للمستثمرين السوريين أو العرب لنيل الثقة وضمان الأمان لتلك الاستثمارات.
في هذا الإطار، جملة من الأسئلة حاولنا من خلالها استقراء ما تُعدُّه وزارتا المالية والاقتصاد والتجارة الخارجية من مؤهلات ومحفزات من شأنها رفع فكرة الدعوة إلى مستوى التنفيذ والتنفيذ السريع لواقع الاستثمار.
إجراءات مؤقتة..
وفي هذا الإطار، بيّن وزير المالية الدكتور كنان ياغي، أن الاتفاقيات الموقعة سابقاً مع عدد من الدول تتنظر تحسّن البيئة الاقتصادية والسياسية لتفعيلها. وفيما يخصّ الوضع المالي أكد أن السيولة النقدية في المصارف كبيرة وجاهزة للإقراض لكافة المشاريع الاستثمارية، ولا وجود لإشكاليات في عملية التموّل منها، منوهاً بأن بعض القرارات المطبقة اليوم كالقيود المفروضة على السحب والإيداع مؤقتة، ووضعت بهدف ضبط سعر الصرف فقط خلال الفترة الماضية، لأن استقرار سعر الصرف من أهم عوامل الاستقرار الاقتصادي والاستثمار الآمن.
وكشف ياغي أنه وخلال الفترة القادمة سيكون هناك سياسة نقدية توافق الاستثمار، معتبراً أن توافد عدد من المستثمرين إلى الوزارة خلال الفترة الماضية لبحث آليات الاستثمار وماهية الفرص المطروحة ومناقشة كافة القرارات المتعلقة بها، يؤكد نجاح المحفزات والمزايا المطروحة في القانون الجديد، والقادرة على جذب المستثمرين وخلق رغبة جدية استثمارية للاستثمار في الاقتصاد السوري، ولاسيما بوجود إجراءات تتميّز بالسرعة والسهولة وبعيدة عن التعقيد.
دحض المخاوف
وحول التخوّف الموجود لدى بعض الخبراء، أوضح ياغي أن علم الاقتصاد يؤكد أن البيئة الاستثمارية المستقرة وغير المستقرة قادرة على جذب الاستثمار لوجود شركات ومستثمرين مختصين بذلك يقدمون على مشاريع عالية المخاطر بأرباح عالية، وهذا ما توفره البيئة الاستثمارية السورية، نظراً لتنوعها وتميّزها بجوانب مختلفة في الاستثمار، مشدداً على أن وجود مدن ومناطق صناعية مؤهلة ومجهزة بكافة مستلزمات الاستثمار، كفيل بدحض كافة المخاوف لمن لا يرغب باستثمار عالي المخاطر ومشجعة للاستثمار.
لا نيّة..
وعن ضرورة ترتيب البيت الداخلي وحلّ الإشكاليات المتعلقة بالمستثمرين الذين خرجوا خلال فترة الحرب، وما يكتنف وضعهم من إشكاليات كأصحاب القروض المتعثرة أو القضايا المتعلقة مع الجهات الرسمية، قوبل اقتراح أحد الخبراء: بضرورة تصنيفها كديون معدومة تضمن تسوية أوضاعهم وعودتهم وأموالهم للاستثمار في سورية بدلاً من تنمية الاستثمارات والعائدات في بلدان الاغتراب، قُوبل بتأكيد ياغي عدم وجود نية لتطبيق هكذا اقتراح كونه جرى معالجة هذا الملف عبر جدولة الديون، مشدداً على وجود تعامل خاص لمن فقد منشآته وخسر ممتلكاته خلال الحرب، أما المستثمر ذو الملاءة المالية فيتمّ البحث معه عن آلية قانونية تستلزم تسديد الديون.
غير كافٍ..
في المقابل، اعتبر العديد من خبراء الاقتصاد أن تسطير قانون استثمار جديد غير كافٍ ليتصدّر أولويات الدعوة للاستثمار في سورية دون العمل على تجهيز البنى التحتية اللازمة له، لكن وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية وعلى لسان معاون الوزير، رانيا أحمد، اعتبرت أن قانون الاستثمار الجديد هو الخطوة الأهم التي تمّ اتخاذها للتشجيع على الاستثمار في سورية، في ضوء ما تضمّنه من مزايا ومحفزات مهمة جداً، بالتوازي مع المتغيرات المختلفة والحراك الاقتصادي الدولي الذي يؤسّس لمناخ أفضل لإقامة المشاريع، معتبرة أن صدوره من الأولويات وليس من الأوليات، ولاسيما أن الإجراءات التي تمّ العمل عليها لدعم العملية الإنتاجية بشكل عام مستمرة والهدف منها تنمية الاستثمارات بشكل عام.
لا تخصيص
وحول المناشدات بضرورة تخصيص المستثمر السوري عن نظيره الأجنبي، بعدد من الإجراءات المُسرِّعة لعودتهم لوطنهم، قالت أحمد: إن القانون لم يميّز بين الاثنين، موضحة أن الاقتصاد بحاجة إلى كافة الإمكانيات والطاقات والتخصصات، وأن السوق السورية تستوعب الكثير من الاستثمارات، كما أن تسريع التعافي الاقتصادي والانتقال بالاقتصاد السوري إلى وضع أفضل وبشكل ينعكس إيجاباً على المستوى المعيشي للمواطنين، يتطلب جذب رؤوس أموال محلية وأجنبية معاً وضخها في العملية الاستثمارية، وتوازياً مع هذا قدَّم القانون الجديد جملة من المحفزات والمزايا تستهدفهم بالدرجة الأولى لتجهيز المدن والمناطق الصناعية بكافة لوازم العملية الإنتاجية، وطرح برنامج دعم الفائدة، ومزايا تخصيص الأراضي في المدن الصناعية تستهدف بالدرجة الأولى المستثمرين السوريين المقيمين والمغتربين، يضاف لها صدور قانون رفع رأسمال الحدّ الأدنى لمؤسسات الصرافة الذي ساهم بوجود مؤسسات قادرة على تلبية متطلبات المرحلة القادمة والتوسّع في حجم السوق المالية، وزيادة رأسمال المصرف الصناعي ورفع قدرته التمويلية.
مرحلة التخطِّي
وفي معرض ردّها على وجود مقترحات خاصة بتشجيع المستثمرين السوريين في أنحاء العالم للعودة والاستثمار في وطنهم، بيّنت أحمد أن ما تعمل عليه وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية تخطّى مرحلة المقترحات إلى مرحلة الإجراءات الحقيقية، والتي يتمّ العمل عليها لتحسين بيئة العمل والاستثمار، حيث إن معظم الفعاليات التي تعقد بهدف الترويج للاستثمار في سورية يحضرها المستثمرون السوريون بالدرجة الأولى، منوهة بأن المستثمر السوري، سواء المقيم في سورية أم المغترب، في طليعة الفئات التي نتوجّه إليها لتحفيزها على إقامة المشاريع والأنشطة في بلده الأم، بالتوازي مع إصرار الوزارة لزيادة دورها الترويجي واستثمار شبكة العلاقات الدولية في النهوض بواقع الاستثمار، ولفتت أحمد إلى العمل على إعداد مركز خدمات المستثمرين لمنح المزيد من السهولة والسرعة لكافة الإجراءات التي يحتاج إليها المستثمرون والإجابة عن كافة تساؤلاتهم.