حتى الاعتذار لا يكفي!
سمر سامي السمارة
يصادف الشهر القادم الذكرى السنوية العشرين لافتتاح مركز الاعتقال الأمريكي في خليج غوانتانامو في كوبا، والذي أنشأته الولايات المتحدة في 11 كانون الثاني عام 2002 واحتجزت فيه ما يقرب من 800 “معتقل”.
كان القليل من هؤلاء على صلة حقيقية بالإرهاب الدولي، ومع ذلك تعرضوا جميعاً للانتهاكات والتعذيب. وبحسب خبراء حقوق الإنسان فإن “غوانتانامو مكان للتعسف وسوء المعاملة، وموقع تفشى فيه التعذيب، ومع ذلك لا يزال يحظى بصبغة مؤسسية، حيث يتمّ تعطيل سيادة القانون فعلياً، وإنكار العدالة”.
ومنذ البداية، اضطلع علماء النفس بأدوار رئيسية في عمليات التعذيب في غوانتانامو والسجون السرية “المواقع السوداء” لوكالة الاستخبارات المركزية وغيرها من مرافق الاحتجاز الخارجية، كما شاركوا بتصميم وتطبيق ظروف احتجاز غير إنسانية وأساليب استجواب وحشية. وكان الحبس الانفرادي من أكثر الأساليب المستخدمة شيوعاً، حيث يمكن أن تمتد العزلة طويلة الأمد لأسابيع أو شهور، وأحياناً يكون الحبس في زنازين فارغة يلفها ظلام دامس.
في ظل هذه الظروف القاسية، كان على المعتقلين تحمّل الحرمان من النوم، حيث يُفرض عليهم البقاء مستيقظين لعدة أيام بسبب الأضواء الساطعة، والموسيقى الصاخبة أو الصفعات والصراخ والشتم، وما إلى ذلك من وسائل التعذيب منقطعة النظير، كالتهديد بقطع رقبة نجل أحد المتهمين، أو الإذلال بما في ذلك التعري الجبري والسلوك الاستفزازي والإهانة من قبل المحققين، واللجوء إلى تهديدات تتراوح بين زمجرة الكلاب العسكرية إلى الحبس في صناديق تشبه النعوش إلى عمليات إعدام وهمية.
إذن، كان هذا هو السياق قبل ست سنوات عندما كشف تحقيق محايد ونزيه عن أدلة دامغة تشير إلى أن قادة الجمعية الأمريكية لعلم النفس -وهي أكبر منظمة لعلماء النفس في العالم- فشلوا في الدفاع بشكل كافٍ عن المبادئ الأخلاقية الأساسية للمهنة. وبدلاً من ذلك، اختار هؤلاء القادة دعم استمرار علماء النفس في الانخراط بهذه العمليات، بالرغم من التقارير المتزايدة عن تواطئهم في تعذيب المحتجزين وإساءة معاملتهم.
ورداً على النتائج المقلقة، أجرت جمعية علم النفس الأمريكية مجموعة من الإصلاحات الأخلاقية واعتذرت لأعضائها ولعلماء النفس في جميع أنحاء العالم لتخليها عن القيم الأساسية للمهنة.
لكن قيادة الجمعية، فشلت في الاعتذار من مئات السجناء في غوانتانامو وأماكن أخرى ممن تعرضوا لأذى بدني ونفسي جسيم عندما اتبعت أجندة مضللة. ففي الوقت الذي كانت منظمات أخرى لحقوق الإنسان تشجب انتهاكات إدارة بوش للقانون الدولي والمعايير السلوكية الأساسية، رأت الجمعية أن مشاركة علماء النفس أبقت عمليات الاعتقال والاستجواب “آمنة وقانونية وأخلاقية وفعالة”. وبدلاً من استخدام نفوذها في أروقة السلطة في البلاد للمطالبة بحماية أفضل لهؤلاء السجناء، اختارت الجمعية التشكيك في التقارير الموثوقة التي تورّط علماء النفس في المعاملة السيئة والتعذيب.
ويؤكد استمرار غياب مثل هذا الاعتذار أن الجمعية، بعد كل هذه السنوات، لا تزال غير راغبة في الاعتراف الكامل وتحمّل المسؤولية المترتبة عن العواقب الوخيمة المرتبطة بتحديد أولوياتها المتعلقة بالمصالح السياسية والاعتبارات الأخرى على حساب الأخلاق المهنية وحقوق الإنسان.
هذه الأضرار بمثابة تذكير قويّ بأن ضحايا الانتهاكات والتعذيب في غوانتانامو يستحقون أكثر من مجرد اعتذار، بل يحق لهم الحصول على دعم لإعادة تأهيلهم على المدى الطويل، وذلك من خلال تقديم المساعدة للسجناء السابقين المهتمين بالحصول على رعاية الصحة العقلية.
في النهاية، حتى الاعتذار لضحايا التعذيب الذي تمارسه الإدارة الأمريكية لن يكون كافياً، كما ينبغي على الجمعية أن تنضمّ إلى جماعات حقوق الإنسان الأخرى في الدعوة علناً إلى الإغلاق الدائم لهذا السجن المخزي، فوجود هذا المرفق بحدّ ذاته يعدّ وصمة عار على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي ككل، وكان ينبغي إغلاقه منذ وقت طويل.