ثقافةصحيفة البعث

د. مشوح في افتتاح أيام الفنّ التشكيلي: لا قيود على حرية الفنان وخياراته الإبداعية

“تتساوى الفنون في الأهمية”.. هذا ما قالته الدكتورة لبانة مشوّح وزيرة الثقافة في حفل افتتاح أيام الفن التشكيلي السوري للموسم الرابع بعنوان “10000 عام” المرتبط باليوم الثاني عشر من شهر كانون الأول في دار الأوبرا بحضور عدد كبير من الفنانين والمثقفين والإعلاميين.

وجمع حفل الافتتاح  كل الفنون، ابتداءً بالعرض البصري الذي اختزل مسيرة الفنان محمود، إلى عرض لوحات المكرمين ومنحوتاتهم في ركن خاص. وعزفت الفرقة الوطنية للموسيقا العربية بقيادة المايسترو عدنان فتح الله مقطوعات عدة، وتمّ توزيع كتيب وثّق بين صفحاته لمحة عن تاريخ الفن التشكيلي، وسيرة ذاتية مختصرة عن الفنانين المكرّمين منذ الموسم الأول حتى الرابع مع صور بعض لوحاتهم.

الأمر اللافت في هذه الدورة إطلاق مسابقة “البوستر” للمرة الأولى والدالة على تغلغل فروع الفن التشكيلي بالمجتمع.

اتجاهات وأدوات

تحدثت الدكتورة مشوّح في كلمتها عن بدايات الفن التشكيلي السوري الحديث الذي يعود إلى مئة وخمسين سنة، تميّز خلالها بثراء التجربة وتنوع المؤثرات وتعدّد الروافد والاتجاهات والأدوات وغنى المضمون الإنساني، فلمعت أسماء كان لها أكبر الأثر في رسم معالم الحركة التشكيلية المعاصرة ليس في سورية فقط وإنما في الوطن العربي، وتابعت عن الاحتفاء بالفنان محمود جلال لمناسبة مرور مئة وعشرة أعوام على ولادته في 1911، ومرور ستة وأربعين عاماً على رحيله، وقد ساهم بوضع حجر الأساس للفن التشكيلي العربي في سورية والوطن العربي، ثم تطرقت إلى التشكيليين المحدثين الذين طالتهم يد الإرهاب الظلامي الرافض كل وسيلة تعبير حضارية، ورغم كل الأوضاع الصعبة استمر الفنان السوري بحضور لافت على الساحة الفنية داخلياً وخارجياً.

تطور نوعي

ثم استعرضت الحركة التشكيلية السورية خلال عام كامل تميّز بغزارة المعارض والملتقيات، إضافة إلى التطور النوعي في أعمال كثير من الفنانين التي سمت جمالياً وفكرياً، وعكست تطوراً في الأساليب والتقنيات، وتجرأت على التحديث في وسائل التعبير عبْر التجريب في اللون والتجريد في الخطوط والتطوير في العلائق بين مختلف مكونات التشكيل وتوظيفها في التعبير الراقي.

المحور المهمّ الذي توقفت عنده د. مشوّح هو سياسة الدولة السورية التي تقوم على عدم وضع قيود أمام حرية الفنان التشكيلي وخياراته الإبداعية، ولم تدعم اتجاهاً دون سواه، وكانت وستبقى الحاضن لكل التجارب.

البوستر والكاريكاتير

كما نوّهت د. مشوّح بعودة الحياة للصالات الخاصة واستقطاب الفنانين، وعقبت على أهمية التأهيل الفني لكوادر المستقبل، مبيّنة أن كلية الفنون الجميلة مليئة بالفنانين المستقبليين، وأن مواكبة التطورات الحديثة ضرورية لاستقطاب الشباب المهتمين بالتقانة وبوسائل التعبير الحديثة جداً، وعادت إلى الموسم الرابع الذي يحظى بجوانب جديدة  مثل عودة فن الكاريكاتير بمعرض مهم جداً، وفن البوستر الذي يعدّ وسيلة للتعبير يمكن أن توظّف إعلامياً وعلمياً وفي كل المجالات.

محمود جلال موسيقياً

تغلغلت الموسيقا مع اللون وفضاءات محمود جلال الذي ينتمي إلى الكلاسيكية الحديثة وجمع بين النحت والتصوير، فجسّد في لوحاته مناطق ريفية مركزاً على الشخوص، وعلى تأثير لوحة صانعة أطباق القش ولوحة الراعي ولوحة حاملة الجرة، إضافة إلى منحوتاته التي عبّرت عن مضامين وطنية، استلهم المايسترو عدنان فتح الله نغمات ألحان مقطوعة محمود جلال التي ألّفها لمناسبة تكريمه، فمهّدت ضربات الطبل الكبير والتيمباني لتشكيلة الفرقة، مع فاصل آلات النفخ الخشبية ودور الفلوت المعبّر عن لوحات المرأة الريفية، وامتدت ألحان الوتريات الرقيقة المتداخلة مع الإيقاعيات الشرقية والنحاسيات، ثم تصاعد اللحن بمتتالية سريعة أشبه بخاتمة لهذا التاريخ الحافل.

كما قدّمت الفرقة مع الكورال مجموعة فقرات، منها موشح “سبحان من صورك” ألحان عمر البطش، بحضور آلات التخت الشرقي مع ترديد “آمان ويالليل”. تغيّرت الأجواء مع تأثير آلة الأجراس والإيقاعيات اللحنية وآلات النفخ الخشبية والنحاسيات بأغنية “بالفلا جمال ساري”، كما عزفت الفرقة موسيقا نجوم الليل لفريد الأطرش وبدا دور الهورن والباصون والتشيللو ضمن تشكيلة الفرقة، ثم وصلة من أغنيات رفيق شكري من التراث، منها “يا شمس ميلي ومالهم ومالي” بحضور الناي، والأجمل بـ”راجعين ياهوى” وموسيقا الرحابنة وغناء الكورال مع الآهات، وأبدعت الفرقة بعزف لونغا فرح فزا لرياض السنباطي بالتوازي بين الإيقاعيات والوتريات ودور الترومبيت والبوق والانتقالات الصوتية، ودور التيمباني.

تكريم الراحلين والأحياء

وخلال حفل الافتتاح كرّمت الدكتورة لبانة مشوح مع رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين عرفان أبو الشامات ومدير مديرية الفنون التشكيلية في الوزارة الفنان عماد كسحوت الراحلين ميلاد الشايب، وسوسن جلال، وفؤاد أبو عساف، كما تمّ تكريم الفنانين ناثر حسني ومحمد بعجانو وسارة شما بحضورهم واستلامهم دروع التكريم.

تظاهرة مجتمعية

وعلى هامش الحفل، تحدثت “البعث” مع الفنان د. شفيق آشتي، حيث أوضح أن الفنانين يتفاعلون مع مبادرة أيام الفن التشكيلي السوري التي أصبحت تقليداً سنوياً يحفل بالنشاطات والمعارض، وأن التكريم تكريم لكل الفنانين السوريين ولاتحاد الفنانين التشكيليين.

وأك د. عبد الناصر ونوس الأستاذ بكلية الفنون الجميلة – التي تشارك بفعاليات عدة خلال التظاهرة بمسابقة البوستر للمرة الأولى – أن الحركة التشكيلية السورية ليست لوحة فقط، وإنما ترتبط بالمجتمع وبالسوشل ميديا والتصميم الغرافيكي.

دعم الفنان

وعبّرت السيدة مها محفوظ رئيسة اتحاد الفن التشكيلي – فرع دمشق – عن أهمية تكريم الفنانين، وخاصة الفنان ناثر حسني الذي وثّق دمشق بكل جوانبها، وأشارت إلى مبادرة المسابقات والجوائز بهذا الموسم ما يؤدي إلى تحفيز الفنانين، ونوّهت بدور النقابة في دعم الفنان بكل ما لديها.

ورأت الفنانة ليلى الأسطة أن أيام التشكيل تؤكد استمرارية سورية بالنهضة الحضارية والثقافية والإبداعية جيلاً بعد جيل. كما أعرب الفنان ناثر حسني عن سعادته بالتكريم للمرة الثانية وهذا فخر له.

مواجهة الحرب الاقتصادية

ومن الصالات الخاصة تشارك صالة مشوار بعرض مقتنياتها التي تختزل تاريخ الصالة، فتحدثت السيدة ميادة كليسني عن مواجهة الحرب الاقتصادية الصعبة على الجميع، ورغم ذلك استمر الفن التشكيلي بزخم قويّ، لتخلص إلى أن البلد التي يستمر فيها الإبداع لا تنكسر.

ملده شويكاني