قمة الديمقراطية.. “حديث خرافة يا أم بايدن”
أحمد حسن
في صباح اليوم الثاني لـ “استعراض” الرئيس الأمريكي جو بايدن في “قمة الديمقراطية”، حيث ألقى “بياناً رائعاً لدعم الصحافة الحرّة وسلامة وسائل الإعلام لأهميتها واستدامتها في صحة وحيوية المجتمعات الديمقراطية”!!، وضع هذا الاستعراض، والبيان، موضع الاختبار العملي، ولاحقاً التنفيذ الفوري لمضمونهما، حين أعلنت ديمقراطية “حكومة صاحبة الجلالة”، المشاركة طبعاً في القمة، عزمها تسليم الأسير الصحفي جوليان أسانج إلى ديمقراطية حكومة “العم سام” التي تهدّده بـ 175 سنة سجن لارتكابه “ذنب” القيام بعمله الطبيعي ودوره كصحافي قام بنشر معلومات ووثائق رسمية لا تكتفي بفضح انحراف الديمقراطية الأمريكية، داخلياً وخارجياً، بل تكشف أيضاً استبداد واشنطن ودكتاتوريتها القاتلة حيال التعامل مع من لا يقبل بالعبودية الكاملة لها.
والحال، فإن ما جرى يبدو طبيعياً جداً في مسار الامبراطورية الأمريكية الحافل بمثل هذه المحطات “الديمقراطية!”، لذلك لم يكن مستغرباً أن يعمد رئيسها – سيراً على نهج أسلافه “المفكرين” – إلى استثمار “قمته” في إعلاء شأن معنى آخر للديمقراطية “يجبّ” ما أتى به سابقاً آباء الديمقراطية وفلاسفتها سواء في العهد “الأثيني” أو ما تلاه من عهود.
فعند بايدن، لم تعد الديمقراطية أنظمة سياسية واجتماعية اختارت أسلوب حياتها، ولو متباينة قليلاً في المظهر، تحت إطار “حكم الشعب نفسه بنفسه” وفق تعريفها الأبسط، بل أصبحت تُختزل بعبارة بسيطة مفادها أن من يقف مع أمريكا وتوجهاتها، سواء كان فرداً أم حزباً أم دولة، فهو ديمقراطي، أما من يقف ضدها، فرداً كان أم حزباً أم دولة، فهو دكتاتوري أباً عن جد، وبكلمات أكثر واقعية ومباشرة في عالمنا المعاصر، الديمقراطي هو العميل التابع لواشنطن، والديكتاتوري هو الباحث عن مصالحه الوطنية حتى لو اتبع أسلوب واشنطن ذاتها!!
وبالطبع، التعريف ليس جديداً، فقد سبقه إليه كل رئيس أمريكي جلس في البيت الأبيض دون استثناء، حيث اتفقوا جمعياً، بالفهم والممارسة، على أن الديمقراطية هي مجرد سلاح يستخدمونه لتطويع الآخرين، لكنهم، وتلك حقيقة تاريخية مثبتة، جاهزين للتغاضي عنه في حال تحقيق أي ديكتاتور لمصالحهم، والأمثلة لا تعد ولا تحصى بدءاً من حديقتهم الخلفية في أمريكا اللاتينية – قصة “سلفادور اللندي” والجنرال” أوغستو بينوشيه” أشهرها – وصولاً إلى أي مكان في العالم رأى “العم سام” أن له مصلحة “ديمقراطية” فيه.
ولأننا – لعوامل عدة بينها الدور الامبراطوري الأمريكي الكابح – “لسنا في لحظة الحقيقة من أجل الديمقراطية”، كما حاولت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الأمن والديمقراطية وحقوق الإنسان إقناع العالم، فالانتقادات الداخلية والخارجية لاحقت بايدن وقمته، وأهمها تلك التي اعتبرت أن الولايات المتحدة ليست أفضل مكان لاحتضان هكذا قمة، لأنها “مصنفة حالياً في فئة الديمقراطية المعيبة حتى قبل انتخاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب”، كما أن “أحد الحزبين الرئيسيين في البلاد يرفض القبول بنتائج انتخابات 2020، بل إنه “حاول القيام بانقلاب عبر اقتحام الكونغرس، وهذا أمر لم يحصل في باريس أو البوندستاغ أو مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل”.
بهذا المعنى، هذه “قمة” تحمل أهدافا أمريكية خالصة ومتعددة ليست “الديمقراطية” إلا غطاء تعبيريا جميلا لجوهرها الحقيقي، فهي أولاً تكشف، في توقيتها، عن “عقلية الحرب الباردة” التي تريد واشنطن تجديدها ضد موسكو وبكين معاً، وهي، ثانياً، محاولة جديدة لإنقاذ الرأسمالية، أو بالتحديد ذلك النمط الذي تمثله واشنطن، أي “رأسمالية الاحتكار المعمّمة” من أزماتها الدورية وأخطائها القاتلة، وتحميل وزر ذلك كله لدول الجنوب، بالمعنى الجغرافي والسياسي، وهي، ثالثاً، تحاول إعادة شد رباط الحلفاء بالمركز الأمريكي لجعل الموارد كلها تتجه إليه وإمساك من بدأ بالتسرب اعترافاً منه بحقائق العالم الجديد.
تلك هي دواعي القمة وأسبابها أما الحديث عن مواجهة الدكتاتوريات وما إلى ذلك، فليس، وفق التزاوج بين أمثالنا العربية ومصطلحات العصر الأمريكي، إلّا “حديث خرافة يا أم بايدن..”.