قرار ضم الجولان.. عمل عدواني ليس له شرعية قانونية
د. معن منيف سليمان
يعدّ قرار “إسرائيل” بفرض قوانينها وولايتها القضائية على الجولان السوري المحتل عملاً عدوانياً ليس له شرعية قانونية، لأن هذا القرار صادر عن سلطة احتلال ليس من حقها وفق قواعد القانون الدولي إجراء أي تغيير على الواقع الجغرافي أو السكاني في المناطق المحتلة، وقد رفض العالم بأسره هذا القرار الإسرائيلي الجائر، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تعلن سابقاً رفضها لضمّ الجولان العربي السوري، ثم امتنعت عن التصويت.
لا يزال أهلنا في الجولان العربي السوري المحتل يرفضون قرار الضم، والهوية الإسرائيلية التي فرضت عليهم في عام 1981، فالجولان أرض عربية سورية، وسورية لها وحدها حق ممارسة السيادة الوطنية والتامة غير المنقوصة وفقاً لجميع الشرائع والقوانين والاتفاقيات والمعاهدات الدولية.
احتلت “إسرائيل” الجولان خلال عدوان حزيران 1967، وفي حرب تشرين الأول 1973، تمكّنت سورية من استرجاع جزء منه ومن ضمنه مدينة القنيطرة، وفي 14 كانون الأول عام 1981، قرّر الكنيست الإسرائيلي ضم جزء من الجولان الواقع غربي خط الهدنة عام 1974، إلى “إسرائيل”. وقد حاز القرار على موافقة 62 صوتاً مقابل 21 صوتاً. وأظهر استطلاع للرأي أجراه معهد “مونيتين” الإسرائيلي آنذاك أن نحو 78 بالمئة من الإسرائيليين يؤيدون ضم الجولان فوراً.
لقي هذا القرار رفضاً دولياً وعربياً وإقليمياً عارماً، واعتبر لاغياً وباطلاً، ولا يحمل أي أثر قانوني، فقد رفضت الولايات المتحدة القرار الإسرائيلي وأكدت أن الجولان من الأراضي العربية المحتلة التي يشملها القراران 242 و338، ووصفت بريطانيا الإجراء الإسرائيلي بأنه “مخالف للقانون الدولي وضار بمساعي إحلال السلام”، معتبرة إياه “لاغياً وباطلاً”، كما سارعت فرنسا إلى إدانة قرار الضم داعية “إسرائيل” للتراجع عنه، وأعلن الاتحاد السوفييتي السابق رفضه الشديد للقرار الإسرائيلي، وأكد تضامنه مع الشعب السوري، كما أدانت معظم دول العالم وبشدة القرار الصهيوني، فضلاً عن العشرات من بيانات الشجب والتنديد التي أصدرتها المنظمات والنقابات والأحزاب والحكومات.
وفي أعقاب صدور القرار العدواني، أصدرت الحكومة السورية بياناً مساء 14 كانون الأول عام 1981، نبّهت فيه الرأي العام العربي والمجتمع الدولي إلى خطورة ومنعكسات هذا الإجراء على الأمن والسلام في المنطقة وفي العالم، وأبدت قلقها العميق إزاء هذه الخطوة العدوانية الجديدة، لتؤكد أنها ستواجه هذا الأمر، انطلاقاً من مسؤوليتها الوطنية والقومية، وطالبت الرأي العام العالمي بالوقوف إلى جانبها لمواجهة هذا التطور الخطير الذي ستنعكس آثاره، ليس على المنطقة فحسب، وإنما على مجمل الأوضاع الدولية.
وبناءً على طلب من سورية، عقد مجلس الأمن الدولي اجتماعاً في 17 كانون الأول 1981، أصدر بعده القرار رقم 497 الذي أكد أن قرار “إسرائيل” بفرض قوانينها وولايتها وإدارتها في مرتفعات الجولان السورية المحتلة لاغٍ وباطل وليس له أي أثر قانوني دولياً، وعاود مجلس الأمن اجتماعه وأصدر في 28 كانون الثاني 1982، قراره رقم 500 الذي أكد فيه ما جاء في القرار السالف، ثم تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 272 الذي أعلنت فيه أن قرار ضم “إسرائيل” للجولان السوري يشكل عملاً عدوانياً بموجب المادة /39/ من ميثاق الأمم المتحدة.
وكان القائد المؤسّس حافظ الأسد أكد أن قرار “إسرائيل” الجائر هذا مجرد محاولة إسرائيلية فاشلة لتثبيت وتكريس احتلالها، وسيكون مصيرها الفشل طال الزمن أم قصر، فالجولان لن يكون إلا عربياً سورياً.
وجدّدت الأمم المتحدة يوم الجمعة 11/11/2011 مطالبتها “إسرائيل” بالامتثال لقرارات الشرعية الدولية وإلغاء قرار ضم الجولان، مؤكدةً أن جميع التدابير والإجراءات التشريعية والإدارية التي اتخذتها أو ستتخذها “إسرائيل” بهدف تغيير طابع الجولان السوري المحتل ووضعه القانوني لاغية وباطلة وتشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي ولاتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب وليس لها أي أثر قانوني.
الملفت للانتباه في هذا العام أن عدد الدول التي صوّتت لمصلحة إلغاء القرار الإسرائيلي في تزايد مطرد، ما يشير إلى الدعم الدولي الكبير الذي تحظى به سورية في استعادة الجولان المحتل كاملاً حتى خط الرابع من حزيران 1967.
وقد أوضح أهلنا في الجولان المحتل بالأمس واليوم موقفهم للعالم من الاحتلال الإسرائيلي ورفضهم القاطع لقرارات الحكومة الإسرائيلية الهادفة إلى سلبهم شخصيتهم العربية السورية، وأن هضبة الجولان المحتلة جزء لا يتجزأ من سورية العربية، وأنهم ينتسبون إلى الجنسية العربية السورية التي يعتزون ويتشرفون بالانتساب إليها كونهم ورثوها عن أجدادهم الكرام وأخذوا عنهم لغتهم العربية، كما ورثوا عنهم أرضهم الغالية، قاطعين عهداً على أنفسهم أن يبقوا أوفياء ومخلصين لما خلفه لهم أجدادهم وعدم التفريط بشيء منه مهما طال زمن الاحتلال الإسرائيلي.
إن الوقائع على الأرض تثبت بعد ثلاثة عقود من القرار الإسرائيلي الجائر أن الجولان لن يكون إلا أرضاً عربية سورية، ستعود مهما طال الزمن إلى أصحابها وأهلها الشرعيين، وستبقى سورية بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد تعمل بكل تصميم وإرادة على استرجاع جميع الأراضي العربية المحتلة بما فيها الجولان المحتل مهما كثرت التحديات وعظمت التضحيات.