تبرؤ حكومي واحتكار “الخاص”.. تكاليف “الحمية” و”العلاج” ترهق فئة مرضى حساسية القمح!
دمشق – ريم ربيع
مابين 25 و 30 ألف ليرة ثمناً للخبز في شهر واحد فقط..!، فما بالكم بتكلفة بقية الأغذية الخاصة والعلاجات والفحوص والتحاليل التي يحتاجها مرضى “الزلاقي”؟!
ما نتحدث عنه ليس للخبز السياحي “خبز المرفهين”، فهذه التكلفة لم تأت اختيارياً، بل يُجبر عليها مرضى ما يطلق عليه حساسية القمح (داء الزلاقي)، المضطرون لتناول نوع خاص من الطعام خال من أي أثر للغلوتين، ليجدوا الخيار الوحيد أمامهم هو ربطة خبز -ستة أرغفة- يتجاوز ثمنها 2300 ليرة فيما لا يتعدى وزنها 450 غ.!، أما محاولة الاستعاضة عن الخبز الخاص الجاهز بالبديل المصنوع محلياً، فلم تفلح بتخفيف الفاتورة حيث يبلغ سعر علبة الطحين 700غ ما ثمنه نحو الـ 4000 ليرة سورية.
وجودها كعدمه.!
ليس الخبز العادي فقط ما يُمنع عنه مرضى حساسية القمح، بل كل ما يدخل القمح في صناعته من المعكرونة للكعك والحلويات وحتى الأطعمة المعلبة وصولاً إلى البرغل، أما البدائل فهي وإن كانت متوفرة إلا أن وجودها كعدمه – حسب تعبير أحد المرضى-، فثمنها يتجاوز القدرة الشرائية بكثير، حيث تصل تكلفة الحد الأدنى من الأغذية المخصصة للحمية الطبية لشخص واحد فقط إلى 120 ألف ليرة – كحد وسطي- ليقتصر غذاء المصابين على الخبز الخاص والخضار!.
بلا منيّة..!
ففي الوقت الذي تتضاءل فيه قائمة غذاء السوريين يوماً بعد آخر، يواجه مصابو “الحساسية” عبئاً أكبر في تأمين غذائهم غالي الثمن، إذ لا يمكنهم “كغيرهم” الاعتماد على الخبز بشكل أساسي، بل على العكس يلجؤون إلى تقنينه للحدود الدنيا، فلا يحمل مرضى “الزلاقي” منيّة الدعم كما غيرهم، إذ خرجت هذه الفئة “الآخذة بالاتساع” من أية حسابات، فلا دعم مادي ولا دعم بالمنتجات، وفوق هذا لم يتكلّف أحد عناء إقامة منشآت لإنتاج الأغذية الخالية من الغلوتين، لتتفرد شركة واحدة فقط بالإنتاج والتوزيع على جميع المحافظات السورية.!.
لا منافسة
اقتصار الإنتاج -لهذه المنتجات الخاصة- على شركة واحدة فقط جعل أسعار المواد الغذائية الأساسية (خبز – طحين – طحينة – معكرونة – سمون – كعك…) تحلق بمبالغ تتجاوز ضعف سعر المنتجات العادية وأكثر، فلا منافسة في السوق، والاعتماد الأكبر في صناعتها يقع على الرز والذرة المستوردة…
حول هذا الوضع..، تواصلنا مع مدير حماية المستهلك حسام نصر الله للوقوف على رأي وزارة التجارة الداخلية في هذا الشأن، فما كان منه إلاَّ أن رمى الكرة في ملعب وزارة الصحة المعنية بمتابعة هذه الشركات، ليغير رأيه لاحقاً ويكتفي بالإشارة إلى أن المديرية تتابع جميع أسعار السلع بمختلف أنواعها.!.
سلة غذائية خاصة
التبرؤ الحكومي من فئة مَرْضَ الحساسية، وهي فئة ليست بقليلة من مصابي حساسية القمح، تركهم أمام خيار وحيد بانتظار منتجات الشركة المصنّعة، والتي نجحت في إنتاج بدائل لمعظم الأغذية حتى الآن، ولكن كما يقال “الجمل بليرة وما في ليرة”، أما سكان الأرياف والقرى فتزيد أعباء المواصلات من تكاليف ومصاعب الحصول على قوت يومهم من تلك المنتجات، حيث يتركز التوزيع غالباً في مراكز المدن ويكاد ينعدم في القرى.
في الوقت ذاته نجد في عدد من الدول العربية المجاورة مساع لتأمين سلة غذائية شهرية مخصصة لمرضى الحساسية، وتوفير الدقيق لهم بأسعار مدعومة لتخفيف العبء عنهم، فهل تسمع الجارة حديث الكنّة ؟.
بنسبة ليست قليلة
أمام الإهمال الحكومي قدّم المجتمع الأهلي نفسه في محاولة لمساندة المرضى عبر الجمعية السورية لداء الزلاقي التي أشهرت العام الماضي، حيث بيّنت عضو مجلس إدارة الجمعية أحلام الشعراني أن المرض موجود في سورية بنسبة ليست بالقليلة، غير أنه لا إحصائيات دقيقة بعد، حتى منتسبي الجمعية فيتم العمل على إحصائهم في المحافظات غير أنهم – وفقاً لشعراني- يشكلون 10% فقط من مجمل المرضى في سورية.
300 ألف تكلفة الفحص
وأشارت الشعراني إلى أن الجمعية تعاقدت مع أطباء هضمية ومخابر التحاليل الطبية والمراكز الطبية لتقديم الخدمات للمرضى بأسعار مخفضة، وهنا لا بد لنا من الإشارة إلى أن تكاليف الكشف عن المرض تتجاوز بين تحاليل وفحوصات وتنظير وخزعة 300 ألف ليرة فما فوق، ولأجل ذلك لفتت إلى محاولة التنسيق مع الجهات المعنية كوزارة الصحة وغيرها من الوزارات التي يمكن أن تساعد في العمل لتحقيق أهداف الجمعية، ومساعدة المرضى على التأقلم مع المرض والالتزام بالحمية وإيجاد البدائل.
أما بعد..
قالوا: “العقل السليم في الجسم السليم”، واستنادا لذلك، عديدة هي الأسئلة التي تُطرح والتي ستطرح فيما يتعلق بصحة السوريين عامة..، وبمن يعانون من أمراض الحاسية وغيرها من الأمراض التي تحتاج إلى متطلبات خاصة، لا تزال خارج اهتمام المعنيين بالشأن الصحي العام، علما أن وجود مثل تلك الأمراض تعني فواتير صحية باهظة على أصحابها، كما تعني فواتيرا مختلفة ستتحملها الدولة كونها المعنية الأولى والأخيرة بالصحة السكانية وإنعكاساتها المادية.
ولا شك أن عدم إيلاء هذا الشأن الرعاية والدعم اللازمين والعمل على الحد من انتشار تلك الأمراض، سيؤدي لتحديات عدة تفاقم التحديات التي تواجهها الدولة، ولا نعتقد أن محاولات المجتمع الأهلي – مهما بلغت- يمكن أن تكون بديلا عن المناط بالدولة النهوض به، في ظل قطاع خاص ليس همه إلاَّ الاستثمار في كل ما يحقق أرباحا، بمعزل عن دور وقائي وعلاجي له، اللهم سوى استيراد متنتجات لمثل تلك الحالات الأخذة بالاتساع. أمر يستدعي قرع جرس الإنذار، فهل يسمع..؟!