“من ذكريات الأيام المواضي ورؤى التغيير”.. كتاب جديد للدكتورة نجاح العطار
البعث – عُلا أحمد
عندما يكتب أصحاب السياسة مذكراتهم، فهم يدونون معهم تاريخ بلادهم ومنطقتهم بأكمله، يكتبون التاريخ وفق رؤيتهم وخبرتهم، انّهم يكتبون تاريخ الكبار، القادة وأصحاب القرار، يرصدون حركة الفكر وحياة الناس منطلقين من معايشتهم الشخصية، فتغدو المذكرات أوراقاً رسمية مهمة، لتصبح مصادر لأحداث يعود إليها المهتمون للبحث عن المعلومات.
لربما هذا ما دفع د. نجاح العطار لإصدار كتابها “من ذكريات الأيام المواضي ورؤى التغيير” الذي ضم عدداً من الرسائل التي وجهتها للقائد الخالد حافظ الأسد، عندما كانت وزيرة للثقافة، حيث تقول في مقدمة كتابها عن إلحاح الأصدقاء لكتابة مذكراتها لأنهم يعتقدون أنها تشكل تاريخاً من العمل العام قد تغني معرفة تجارب الآتين من بعدنا، وتلقي الأضواء على مرحلة ممتلئة بالتناقضات والمفارقات والكفاح من أجل بناء الوطن وتحرير الأرض والنهوض بالحياة.
لماذا الكتابة؟
التعلم من تجارب الآخرين واحد من الأسباب الكثيرة التي تدعو للكتابة، على الرغم من أن كل تجربة هي في النهاية رؤية من جانب واحد، وجزء من حقيقة أو منطق في التحليل لمجريات الواقع، وحجم الأنانية فيها كبير، وادعاء التملك فيها أكبر، وتجاهل دور الآخرين كذلك، وعلى الرغم أيضاً من أن الأفكار التي تعلمناها صغاراً وارتبطت بقيم كنا – وما زلنا – نمجدها، لا ارتسام لها في واقع الحياة حتى في سلوكياتنا، وهي لون من الحنين الوجودي له إشعاع دافئ، في القلب والذاكرة، لكن وقع الأحداث مختلف، ومفاهيم المصالح والظروف والرغبات والطموحات والأطماع مختلفة أيضاً.
فنجد السؤال يرتسم هنا: لماذا الكتابة إذاً؟ّ!!
تجيب د. العطار: لعلها، في الحصيلة، رسالة، دعوة، كشف لرؤى حياتية ولآفاق مستقبلية، متعة راقية للكاتب والقارئ، خروج من انطوائية السر إلى علانية الشفافية في تواصل معرفي ولو في حدود الآنية التي تظل قصيرة الآماد، مهما بلغ شأوها وشأنها.
تبين الدكتورة العطار إنها كانت تؤثر السمع والإنصات، وقررت التزام الصمت خاصة عندما رأت كيف ينتهز الكثيرون القصة بالكتابة عن قادة عاصروهم، ومقربين لأشخاص كبار مثل الزعيم عبد الناصر، وكيف كتبوا من بعده عن علاقتهم به وما يعرفونه من مواقف ومجريات للأحداث كانت بالغة الخطورة، فكانوا يعرضون الأمور حسب رؤاهم السياسية وتوجهاتهم ونزعاتهم، ففضلت العطار التزام الصمت متمنية ألا تتنامى فيما يكتب عن الرئيس بعد رحيله هذه الأنماط من الكتابة المدعية، تضخيماً للذات، مهما كان فيها من افتراءات مدسوسة على صحة الوقائع.
وتتابع أنها إضافة لهذه الأسباب فهي لم تشأ أن تحمل الرئيس الراحل حافظ الأسد أخطاء من حوله، أو إغراقهم في السعي وراء الحياة المترفة، وتوفير أسبابها، ولو على حساب الوطن وأبنائه والمحتاجين منها.. والحديث عن هذه الجوانب قد يسيء إلى المرحلة كلها، ويدفع إلى نسيان الإيجابيات وما كان فيها من نضال عنيد عبر عقود من الزمن نهض بها القائد الرئيس الفريد الفذ ببسالة وإصرار وتضحية إضافة إلى عمليات إنماء حققت ما يشبه المعجزات في استنهاض الوطن، وبناء حياة متقدمة فيه ليس التعليم المجاني وحده أبرز ما فيها، ولا إنشاء جيش عقائدي مبدئي مناضل، وإني لأشهد أن مرحلة الرئيس الراحل كانت مرحلة متألقة من العمل الموصول للارتقاء خطت سورية خطوات مذهلة في كل ميادين الحياة.
ضرورة ورسالة
وتؤكد الدكتورة العطار على أن نشر هذه الرسائل يأتي سعياً وراء توجيهاته كي يكون ملماً بما يجري في الوسط الثقافي، من حراك يشكل خطاً في ساحات المعرفة، يليق بما يسعى إليه في ميادين الحياة المختلفة، ويكون له الرأي الراجح والمبين فيما نقترح ونريد أن نحقق من أجل النهوض الثقافي بشعبنا الكريم العزيز، والارتقاء به واجباً وضرورة ورسالة، وإيماناً بالوطن وارتباطاً بتاريخ وتراث وانتماء، وفيما نحاول أيضاً من انتشار على مدى الأفق الدولي كي يكون لسورية مكان ومكانة يليقان بما تستحق، وكي تكون لها كينونة في إشراقة الثقافة التي حمل رايتها وراد بفكره الوضاء وعقله الراجح وسعة معارفه في ميادينها كلها ولم يتردد لحظة في تقديم كل ما يستطيع وما يمكن دعماً لما هو منشود وتسامياً وشموخاً إلى أقصى الحدود المرجوة.
وتتابع: الآن يرفع الراية الرئيس البشار، بفيض من الإيمان الراسخ بالرسالة التي يحمل، أداء لأمانة الوطن، وبأرفع الأساليب وأكثرها شجاعة وحمية وحرصا، ووثوقا منه ومنا، بما يرسم من خطط، في هذه الظروف الدقيقة، مختصرا كل تطلعات شعبنا وأمتنا، فيا أيها الرئيس القائد لقد كنت، في هذه المرحلة الحاسمة التي تتزاحم فيها وقائع الأحداث، فريداً في قيادتك، وستبقى فريداً أميناً، وعذراً إذا تعثرت كلمات الشكر لك، لأنها لا تستطيع أن تجزيك على جليل صنيعك، في بطولات نضالك، ولعل كل ما في وسعنا أن نحمل في نفوسنا عهداً مقدساً، ننتمي فيه إليك، كالعهد الذي حملناه للأب العظيم الراحل الذي سما بشمائله الغر، ورائع نبالته، وسماته القيادية الباهرة.
الكتاب من القطع الكبير، ويقع في 584 صفحة من إصدارات وزارة الثقافة، منشورات الهيئة العامة للكتاب، دمشق 2021.