هل تحيا بمعلوماتك؟
غالية خوجة
الحياة ثقافة بمفهوم ما، ولربما تعلّم الكثير منا من الأميين، لكن، هل تطبق الغالبية معلوماتها وثقافتها في حياتها اليومية؟ وإن طبقتها هل تطبقها بفنية وتناغمية؟.
ولربما القاعدة المجهولة تكمن في هذه الكلمات “العلم بريء حتى يثبت اتهامه”، لذلك، الكثير من المعلومات بالإمكان تطبيقها على مرّ لحظات عمرنا، ليتكامل وعينا بإشراقاته المتنوعة، مثل الوعي الوطني، الوجداني، المعرفي، الصحي، الفيزيائي، الوظيفي، المدرسي، والجامعي، الإبداعي، العلمي، التقاني، العائلي، المجتمعي، والحياتي.
الحياة دون تطبيق معلوماتنا على الواقع الميداني، وعلى علاقاتنا المختلفة، تصبح جافة، مكررة، تقليدية، أقرب إلى الجهل وهو يتفلسف من شدة التخلف والاعتيادية.
وهذا ما يدركه الجميع، فسيدة البيت تعرف عندما تنظف منزلها كيف لا تخلط بعض المنظفات ببعضها كي لا تصبح سامة، وهو وعي كيميائي، والطبيب والصيدلاني يعلمان عن الدواء أكثر من ربة البيت بكل تأكيد، لأن اجتماع دواءين -لا يجب أن يجتمعا معاً- يسبّب مضاعفات وآثاراً جانبية سلبية وسميّة ودائيّة.
وبدأ الأطفال يدركون جاذبية الأرض وكيف اكتشفها نيوتن مصادفة، وأصبحوا يطبقونها على ألعابهم، وكذلك، يكتشف الطلاب في مختبراتهم المدرسية والجامعية كيف تتحول المعلومات إلى مواد سالبة وموجبة.
كما أن الغالبية باتت تعرف العمر الافتراضي للأشياء، فتتوقع أن المصباح قد يسقط بعد عدة سنوات لأن مواده تتآكل بفعل تأثيرات الزمن.
ونعلم جميعاً أن كل شيء يتحرك حتى لو كان يخدعنا بسكونه، فمسام الطاولة، وخلايا الشاشات والمصابيح والشجر والأشياء تتحرك بذاتها، وجزئياتها تتفاعل إلى أن تصل لمرحلة عمرية تتفكك معها ببطء، فتنكسر من الداخل، أو تنحني، ثم تتهشم، كأنها زلزال صغير يحاكي حركة الزلزال الأرضي عندما تنحني الطبقة العميقة من الأرض وتجذب إليها الطبقات الأخرى تدريجياً إلى أن تشدّ سطح الأرض.
وكذلك الإنسان ووعيه الذي لا ينفصل عن اللا وعي بكل تأكيد إلاّ نظرياً وفلسفياً، يتحرك من الداخل ويقاوم ويجدّد خلاياه الدماغية والقلبية والضميرية كلما اقترب من تطبيق المعلومات المضيئة في حياته، فيشعر بالارتياح والطمأنينة مستوعباً الأحداث والأشخاص، متفاعلاً معهم بعلاقات واعية، تتبادل المعلومات بكافة أشكالها، لتكون أسلوبَ حياة.
وهذا الأسلوب المتطور تطبيقياً في الحياة ميزة المجتمعات المتطورة، فلا تستطيع أية وسيلة خداعها، إعلانياً، وإعلامياً، وتقانياً، وسينمائياً، وتلفازياً، ووسائل تواصل أخرى، لأنها مجتمعات تتقن محاورة المعلومة المراد تسريبها إليها، فتحاورها وتناقشها لأنها لا تريد أن تكون مجرد مستهلك سلبي جاهل، يستقبل كل ما يصل لحواسه وعقله وقلبه بجهل، فلا يناقشه، ولا يحلّل أهدافه والغرض منه، وطريقة تقديمه له، كرسالة تدسّ السم في الدسم، لأنه قادر على اكتشاف الأسلوب الذي يزين له المعلومة برقي ورفاهية ومخملية، وقادر على اكتشاف ما تبطنه وتخفيه هذه المعلومة على مدى الزمن القريب والبعيد.
ولا بد من أن نعلم، ونطوّر ما نعلم، ونتابع تطورات العلم والمعرفة والثقافة والفنون، ونساهم في تطويرها ونضيف لمجتمعنا مراحل من الحياة تختزل الزمن المطاط، ونؤسّس لحياة وافرة الوعي، وبالتالي، وافرة الإنسانية بقيمها الشامخة البانية لذواتنا أولاً، ثم لعلاقاتنا المجتمعية، مما يساهم في تسريع التطور نحو الاستدامة التي تبدو، بدورها، ساكنة، لكنها، في أعماقها متحركة، ولذلك، فهي بحاجة إلى تطوير أيضاً، وإلاّ أصبحت مثل أي شيء وجودي اعتيادي له عمر افتراضي قد يخدش ذاته ثم ينكسر.
وضمن هذا السياق ألفت إلى ميشيل فوكو الذي تحدث في كتابه “الكلمات والأشياء” عن قدرة العقل على اكتشاف أنظمته المعرفية المعتادة لتطويرها بمنظومة معرفية متجدّدة.