مجلة البعث الأسبوعية

بين الشاعر الحقيقي والافتراضي

البعث الأسبوعية- سلوى عباس

هناك من الشعراء من يرى أنه مازال الكثير أمام الشعر ليقوله، لأنه ملازم للوجود البشري، وهذا الوجود يطرح أسئلة جديدة باستمرار، وأن على الشعر أن يستبق هذه الأسئلة دائماً، وأن يفتح لنفسه وللإنسان آفاقاً جديدة للتساؤل والدهشة واكتشاف جمال الحياة من حوله سواء على الصعيد العام، أم على الصعيد الشخصي ولو أننا على الصعيد الشخصي لبعض الشعراء نقرأ إشكالية تتعلق بطبيعة ما يمكن أن نسميه حاجز اللغة، فالقصيدة التي تكون مرسومة في ذهن الشاعر هي غير القصيدة التي نراها على الورق، فلا يمكن لهذه اللغة بالمواصفات التي ورثناها من غيرنا أن تكون قادرة على نقل أحاسيس ورؤى الشاعر بشكل حقيقي، وتجسيدها في هذه الكلمات، هناك دائماً شيء ناقص في عملية تحويل القصيدة من شعور وحس ورؤية إلى كلمات موصوفة أو منطوقة أو مكتوبة، هذا الشيء الناقص أو الضائع يمثل قدراً كبيراً من الشعرية التي تبقى ناقصة باستمرار، والذي سيبقى هدف الفن الشعري برمته أن يصل إلى تحقيقه.. ولذلك نرى أن الشعر الصافي والكامل هو حلم وهدف ومبتغى كل شاعر، ولكنه الهدف والمبتغى والأمنية التي يعرف الشاعر سلفاً أنه لايمكن تحقيقها.

ماتقدم يعبّر عن ماهية الشعر الحقيقي الذي ألفناه جميعنا عبر التاريخ، لكن مع تعدد وسائل التواصل الاجتماعي أخذ الشعر منحى آخر إذ أصبحت هذه الوسائل منابر تضج بالكثير من القصائد والنصوص والخواطر الحاملة لأسماء لم يسمع بها أحد لكنها حققت حضورها وشعبيتها في الفضاء الأزرق، وكم هو مستفز أن يقرأ المرء لقب شاعر دوّنه أحد هؤلاء الفيسبوكيين على خربشاته ويحصد العديد من الإعجابات والتعليقات التي تطلق عليهم ألقاباً لايحظى بها الشعراء المخضرمون، وهذا يجعلنا نتخيل حدوث معركة بين الشاعر الحقيقي والشاعر الافتراضي، معركة تطرح أسئلة تصعب الإجابة عنها مثل: كيف يحصد المرء لقب شاعر ومن يمنحه هذا اللقب، هل هم النقاد أم الشعراء أم جمهور الفيسبوك؟

لكن وبالرغم من تخوّف الكثيرين من هذه الظاهرة تبقى لها إيجابياتها، حيث نستنتج أنّ الشعر لم يمت تماماً، وإنّ إقبال الناس على قراءة النصوص الشعرية، سواء المبتذلة أو الجيدة، المنشورة في الفضاء الأزرق، هو إنجاز بحد ذاته، لأنّ الشاعر نفسه يعرف تماماً أنّ قرّاء الشعر من خارج الفيسبوك هم أقلية وربما السبب يعود أيضاً إلى قصر حجم ما ينشر على الفيسبوك من مواد سواء شعر أم غيره تعتبر لأن هذا الفضاء لايستوعب القصائد الطويلة، وبالتالي هذا يعكس طبيعة الجمهور المتلقي لهذا النوع من الكتابة، فغالبية قراء الفيسبوك لا ينتمون إلى ثقافة محددة، وربما لم يعرفوا الشعر سوى عبر الكتب المدرسية أو من خلال القصائد التي غناها بعض المطربين لعدد من الشعراء، لكن وبدون انحياز لرأي محدد، نرى أن البعض يجيدون تقديم أنفسهم بأسلوب يستطيعون من خلالهم أن يصبحوا شعراء في الفضاء الافتراضي لأنه فضاء بلا ضفاف ويتسّع للجميع، وفي الوقت نفسه كثيراً ما نكتشف عبر الفيسبوك أصواتاً شعرية لديهم مايقولونه وطبعوا مجوعات شعرية ويقيمون الأمسيات الشعرية ومنهم من كان معروف على نطاق ضيق وعرف الناس على شعره من خلال الفيسبوك الذي يمثل في الحقيقة مرآة لما يحدث في الخارج، وهنا لايختلف الجمهور الافتراضي عن جمهور النقاد المخضرمين الذين يدّعون الاحترافية والذين لا يعرفون عن النقد سوى المدح أو الذم يحكمهم قانون العلاقات الشخصية والعامة. وبالعودة إلى المعركة بين “الشاعر الافتراضي و الشاعر الحقيقي”، فمن الواضح أنه لن يكون هناك أي شيء حقيقي، إذا لم يعاد تصويب البوصلة بوضع معايير حقيقية تحكم النتاجات الشعرية للشعراء الحقيقيين والافتراضيين.