إرث ما بعد ميركل
هناء شروف
تتجه كلّ من ألمانيا والاتحاد الأوروبي نحو حقبة ما بعد ميركل، حيث سلّمت المستشارة الألمانية السلطة رسمياً إلى أولاف شولتز يوم الأربعاء الماضي.
خلال فترة رئاسة ميركل التي استمرت 16 عاماً كمستشارة أقامت ألمانيا والاتحاد الأوروبي شراكات عالمية بنّاءة، ويرجع الفضل في ذلك إلى حدّ كبير إلى الدور الحاسم للمستشارة. واليوم مع تنحي ميركل تواجه الشراكات قدراً أكبر من عدم اليقين، لهذا من الضروري تقييم الإرث السياسي لميركل في هذا المنعطف الحرج لاستمرار الشراكات مع دول العالم التي تمّ تحقيقها بشق الأنفس.
في الواقع، بفضل البراغماتية والتزامها بالعقلانية قادت ميركل ألمانيا خلال سلسلة من الأزمات المحلية والخارجية، ولاسيما أزمة الديون السيادية الأوروبية في عام 2010 وتفشي وباء كوفيد 19 في عام 2020. وهذا ما يفسّر سبب تلقي المستشارة آراء إيجابية إلى حدّ كبير باقتصادها الذي يعدّ من 16 اقتصاداً متقدماً.
تواجه ألمانيا مرة أخرى عدداً متزايداً من التحديات بما في ذلك الوباء وتغيّر المناخ، والشراكة مع الاتحاد الأوروبي. ولمواجهة هذه التحديات ينبغي على كلّ من ألمانيا والاتحاد الأوروبي تبني مقاربات براغماتية مماثلة لتلك التي تتبعها ميركل. وخلال فترة رئاسة ميركل عزّزت ألمانيا والاتحاد الأوروبي استقلالهما الاستراتيجي ولم يعودا يعتمدان بالضرورة على الولايات المتحدة، كما عمّقا التعاون مع الصين على أساس التعاون متبادل المنفعة.
لكن لا يزال من غير المعروف ما إذا كانت الحكومة الائتلافية بقيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي ستواصل إرث ميركل من البراغماتية وإلى أي مدى، لأن هناك سبباً رئيسياً في التفضيلات السياسية المختلفة بل والمتضاربة للأحزاب الثلاثة. على سبيل المثال جادل “حزب الخضر” الذي ستكون زعيمته وزيرة الخارجية آنالينا بربوك وزيرة خارجية الحكومة الجديدة بقوة من أجل سياسة خارجية تسترشد بحقوق الإنسان والقيم والتي قد يختلف معها “الحزب الاشتراكي الديمقراطي” الأكثر براغماتية. إلى جانب ذلك من المرجح جداً أن يقوم “حزب الحرية والتنمية” بعرقلة بعض المشاريع الاجتماعية التي اقترحها شركاؤه في التحالف في الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر.
باعتبارها أكبر اقتصاد في أوروبا لطالما كانت ألمانيا الدولة العضو الرئيسية في الاتحاد الأوروبي وتلعب دوراً حيوياً في توجيه العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وباقي دول العالم. ويوفر إرث ميركل السياسي علاجاً لألمانيا والاتحاد الأوروبي للتغلب على التحديات من خلال الحفاظ على علاقة سليمة مع دول العالم في حقبة ما بعد ميركل التي يواجهان فيها عدداً من القضايا الصعبة.
بعبارة أخرى إن العلاقات السليمة بين ألمانيا ودول العالم هي حلّ يربح فيه الجميع، لكن يتعيّن على الحكومة الائتلافية “إشارة المرور” أن تستمر في الحوارات والاتصالات البنّاءة على أساس المصلحة المشتركة والتي تصبّ في مصلحة الدول والأمم المتحدة.