نعم معقول.. يا أصحاب الرقابة والعقول!
قسيم دحدل
لوحظ ارتفاع في أسعار الأدوات المنزلية والكهربائية بمسمياتها المختلفة، المنتجة محلياً والمستوردة على حدّ سواء.
هذا “المُلاحظ” هو ما بُدئ به في الكتاب الذي وجّهه وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك للمديريات المختصة في المحافظات لاتخاذ اللازم: من تكثيف للجولات الميدانية على الأسواق وتشديد الرقابة على منتجي ومستوردي هذه المواد، ومراقبتها من حيث الأسعار ومطابقتها لبيان الكلف المحفوظة لدى الفعاليات، إلى مدى تداول الفواتير النظامية بين كافة حلقات الوساطة وتدقيق صحة هذه الفواتير وفق أحكام المرسوم التشريعي رقم 8 لعام 2021، كذلك تكليف دوائر الأسعار في المديريات، بالتنسيق مع مديرية الجمارك العامة لموافاة الوزارة بالبيانات الجمركية المتعلقة بهذه المواد من أجل التأكد من تقديم المستوردين بيانات الكلف النظامية خلال مدة 40 يوماً من تاريخ البيان الجمركي وفق التعليمات والقرارات الناظمة لذلك.
ولم يغفل الكتاب عن التوجيه باتخاذ الإجراءات القانونية وتطبيق أشد العقوبات الرادعة بحق المخالفين وفق المرسوم المذكور.
الكتاب الذي صدر قبل أيام بَنى توجيهه على الملاحظة المتأخرة جداً فيما يحدث بسوق الأجهزة الكهربائية، رغم أن العشوائية في الأسعار وعدم انضباطها وعدم وجود مرجعية تسعيرية صريحة لها، تعدّ قضية مزمنة وسمة صارخة لسوق تلك الأجهزة.
ليس هذا فحسب، بل إن الأجهزة الكهربائية – إن لم نقل كلَّها فمعظمها – غير موثوقة المواصفات والجودة، والدليل أن لا كفالة حقيقية لأي جهاز بعد البيع، وإن كان هناك كفالة فهي نظرية لا أكثر، وهذا رأي وقناعة كلّ من اشترى جهازاً – خلال سنوات الأزمة – واكتشف بعد أيام أو شهر وأكثر عطلاً فيه!.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، حتى المصباح الموفر للطاقة الكهربائية، لم نجد أي محل أو مستورد يمكنه إعطاء كفالة به. ونكاد نجزم بحكم التجربة ومعاناة الزبائن المرصودة مع ما يشترونه من أجهزة، أن مقولة “أنت وحظك!!”، أصبحت المعيار الأوحد حين اقتناء جهاز أو أداة كهربائية.
إن سوقاً بكل هذا الحجم والكميات من الأجهزة والتجهيزات الكهربائية المستوردة والمصنّعة محلياً، وبكل هذا التنوع والاختلاف فيها ومنها غير معروف المصدر، من شبه الاستحالة ضبطها بمثل ذلك الكتاب، ولا بواسطة دوريات الرقابة مهما بلغ عددها وضبوطها، لأن الأساس الصحيح في الرقابة يبدأ من وزارة الاقتصاد ومديريتها المختصة بالمستوردات (إجازات الاستيراد) أولاً، ومن ثم مديرية الجمارك العامة (مطابقة المواصفات والتحقق من شهادات المنشأ..)، وقبلهما وبعدهما هيئة المواصفات والمقاييس، ومراكز البحوث والاختبارات المعنية بإجراء الاختبارات والفحوص للأجهزة قبل دخولها وطرحها في الأسواق.
أما عن العقوبات والتشدّد بها، فنعتقد أنها لن تستطيع ضبط السوق مهما كبرت، إلاَّ إذا كانت الغاية هي الغرامة المالية لا الردع، حيث الأصل في القوانين الرقابية عامة وحماية المستهلك خاصة هو الردع.
وبرأينا أن الردع يتمثل أول ما يجب أن يتمثل بحماية أسواقنا ومستهلكنا مما ينهال عليه من أجهزة من كلّ حدب وصوب، حتى بات الاضطرار سيد القرار في أية عملية شراء لأي جهاز، ويكاد يندر أن يخلو بيت من أجهزة معطلة مركونة، دفع ثمنها أكثر من مرة نتيجة لتكرار عملية الإصلاح لها، للحدّ الذي أوصلنا لقناعة أن كل ما يدخل أسواقنا من أجهزة وأدوات ما هو إلاّ “ستوكات!!”.
واقع بات بأشد الحاجة لعمليات ضبط في كل المستويات، وعلى الجهات المعنية والمختصة أخذ دورها ومسؤولياتها فيه، وإلاَّ أضحت أسواقنا “مكباً” لتلك الأجهزة بكل معنى الكلمة، والتي لم يَعد يُعرف صالحها من طالحها، أجهزة المؤلم في ملفها أنها تستنزف “صرة” قطعنا الأجنبي، مقابل مراكمة الخسائر لجيوبنا الخاوية أصلاً.. معقول؟! نعم معقول يا أصحاب العقول.