الكيان الصهيوني يصطاد بمياه فيينا
محمد نادر العمري
في ظلّ الأجواء الضبابية واختلاف التوقعات، وما تشهده محادثات فيينا حول الملف النووي الإيراني، بدأت التصريحات الدبلوماسية والخيارات الأخرى المطروحة، تتداول على وسائل الإعلام بشكل يوحي بأن أي فشل للمحادثات سيؤدي في نهاية المطاف لنشوب حرب أو شنّ عدوان على إيران.
ومن أبرز هذه التصريحات هي الأمريكية والإسرائيلية على حدّ سواء، وهنا يمكن أن نصنّفها ضمن ثلاثة أطر: الأول منها يستهدف ابتزاز الجمهورية الإسلامية الإيرانية للضغط على قيادتها ومفاوضيها لتقديم تنازلات أثناء المباحثات أو دفعها للقبول بالرؤية الأمريكية، أما الإطار الثاني فيتمثل بوجود تيار أمريكي داخل إدارة جو بايدن يشترك مع الحكومة الصهيونية بأن إيران لن تعود للاتفاق النووي إلا بعد شنّ عمل عسكري عليها يفقدها قدراتها النووية، بينما يكمن الإطار الثالث في مسعى حقيقي صهيوني لجرّ الولايات المتحدة إلى حرب جديدة في المنطقة بغطاء النووي الإيراني لاستهداف محور المقاومة وتخفيف الضغط على الكيان الصهيوني، ومحاولة استرداد جزء من معادلات الردع التي تغيّرت على مستوى المنطقة استراتيجياً.
غير أن هذه الأطر الثلاثة لا تتعدى كونها أقرب للأمنيات منها للواقع، حيث تشير التقديرات السياسية والعسكرية إلى عدم قدرة الكيان الصهيوني من جهة على تنفيذ مثل هذا الاعتداء وحده دون مشاركة أمريكية وأطلسية لجانبه، أما على الصعيد الأمريكي فيبدو أن ذيول الخيبة التي جرّتها من أفغانستان واحتدام صراعها مع الاتحاد الروسي في أوكرانيا والبحر الأسود ومسألة سباقها مع التنين الصيني تجعلها في وضع غير مناسب لدخول حرب جديدة قد تكلفها على المستوى الاستراتيجي المزيد من النكسات، وعلى الصعيد الداخلي قد تؤدي نحو المزيد من تراجع شعبية بايدن وحزبه الديمقراطي.
غير أن اللافت في مثل هذه التصريحات والتي تتضمن رفع سقف التهديدات والحديث عن الخيارات البديلة، تأتي من المسؤولين السياسيين والعسكريين للكيان الصهيوني، حيث يحتدم النقاش داخل الكيان ويستعر حدّ المزايدات بين مؤيدي شنّ العدوان على إيران لتدمير برنامجها النووي، وبين أولئك الذي يعارضونه في ظل وجود ملاحظة يمكن ملامستها لأي متابع للإعلام العبري خلال الأيام السابقة تشكك إلى حدّ كبير بقدرة تل أبيب على اتخاذ مثل هذا التوجّه، وبقدرة قوتها الردعية لحماية الداخل، رغم أنها من أكثر الكيانات المصنّفة دولياً بامتلاك نوعية الأسلحة غير التقليدية.
وتتحدث وسائل الإعلام العبرية عن مجموعة من العوامل التي تشكل تحديات وعقبات أمام أي عدوان صهيوني على الجمهورية الإسلامية الإيرانية:
- تعتبر الجمهورية الإسلامية الإيرانية وفق تقديرات المؤسسات البحثية والعسكرية الأمريكية من الدول العشر الأولى في تصنيع الأسلحة الدفاعية، وتمتلك منظومة صواريخ قادرة على أن تهدّد الوجود الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط بالإضافة للكيان الصهيوني.
- حلفاء إيران من دول وحركات مقاومة لن يقفوا مكتوفي الأيدي، وهذا يعني تحول المنطقة بأكملها لجبهة قتال مشتركة ضد الأهداف الأمريكية والصهيونية، وستكون وسيلة للدول المناوئة للهيمنة الأمريكية لتقديم الدعم لإيران (كروسيا والصين) بهدف استنزاف الولايات المتحدة وتأزيم وضعها على المستوى الدولي لتحقيق مايمكن وصفه بالتنافس الدولي لهذه الدول، وتحسين موقعها التفاوضي.
- إقرار وسائل الإعلام الصهيونية بأن الصراع بين “إسرائيل” وإيران قائم وبشكل لحظي من خلال الحرب السيبرانية، وإقرار هذه الوسائل من خلال تسريبات داخل الأجهزة الأمنية بتفوق إيران في هذا المجال، وبأن الاختراقات تجريبية، ما يوحي بأنه في حال اندلاع مواجهة ستكون مفاعيل هذه الحرب أكبر ونتائجها أخطر بما يهدّد بإغلاق المنشآت الحيوية للكيان المغتصب أو فقدان السيطرة عليها.
- تقهقر الوضع الداخلي وغياب التماسك المجتمعي للكيان وفقدان ثقة المستوطنين بقدرات المؤسسة العسكرية الصهيونية في أي مواجهة مقبلة ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في ظل عجزها عن تحقيق انتصار عسكري ضد فصائل المقاومة في قطاع غزة ولبنان.
هذه العوامل وغيرها الكثير، بما في ذلك رفع سقف التهديدات من قبل حكومة نفتالي بينت، لن تتعدى كونها بالونات إعلامية لتحقيق أهداف سياسية داخلية، ولكن يبقى سيناريو العدوان قائماً مع وجود أشخاص فاقدي العقول في الكيان ومن يدعمهم في الدولة العميقة الأمريكية، وهذا يعني أنه مع تعسّر المفاوضات في فيينا ستكون جبهات المواجهة في المنطقة في أعلى جهوزيتها وبشكل لم تشهده من قبل.