قصة معمل معالجة القمامة في طرطوس.. من “ألف” الترحيب إلى “ياء” الحل المعلّق؟!

طرطوس – وائل علي 

قبل قرابة عقدين، وربما أكثر، لمعت في أذهان القائمين على السلطة المحلية بطرطوس فكرة إشادة معمل لمعالجة المخلفات الصلبة، ليس لمدينة طرطوس فحسب، بل للمحافظة بكاملها، وقد استحوذت الفكرة على الكثير من الترحاب، ولاقت استحساناً لدى غالبية الشرائح، ولكن لم يخل الأمر من بعض التحفظات التي عارضت بقوة المشروع لجهة اختيار الموقع الذي يتوسط مجموعة من القرى والجبال الصخرية الجرداء المملوكة للدولة والمستثمرة كمقالع صخرية، ولم تفلح اعتراضات أهالي القرى “المحقة” حينها في ثني المعنيين عن موقع آخر لتنفيذ مشروع مصمم لمعالجة 600- 800 طن قمامة يومياً.

رغم أن المعترضين أكدوا قرب المشروع من مصادر المياه الجوفية العذبة، وأن أي تسريب للعصارة الناجمة عن معالجة القمامة سيؤدي إلى تلويث الينابيع والمياه الجوفية التي تشرب منها كل القرى المجاورة، عدا الروائح النتنة التي ستنبعث منها، وانتشار الحشرات والقوارض والزواحف وما إلى ذلك، إلا أن كل تلك الاعتراضات ذهبت أدراج الرياح، وذهبت معها الوعود المعسولة بأن المعمل مصمم وفق المعايير والنورمات والمقاييس العالمية، وأن معامل مماثلة نفذت بنجاح في بيئات مماثلة في ألمانيا والسويد وبلجيكا!

وقعنا في المحظور؟!

بعد التعثر الكبير الذي واجه هذا المشروع، والتأخر بإنجازه بسبب اندلاع الحرب، انطلق المشروع، وبدأت المحافظة وضع خطة لإغلاق مكبات القمامة العشوائية والمنظّمة، ونقلها لمعمل المعالجة، ولكن سرعان ما بدأت المشاكل تتداعى أمام الأداء المتصدع، والإدارة التي لم تتمكن من السيطرة عليها ومعالجتها إلى أن بلغ السيل الزبى لدى أهالي القرى المجاورة الذين تحولت أيامهم لعراك يومي مع انعكاسات وارتدادات معالجة القمامة على المياه الجوفية التي خرجت عن الخدمة بفعل التلوث، ودفعهم بالنتيجة  – أي الأهالي – قبل أشهر للنزول إلى الشارع وإحراق الدواليب وقطع الطريق الرئيسي بين صافيتا وطرطوس، ما اضطر السلطات المحلية والتنفيذية للحضور لمعالجة الموقف.

رئيس الحكومة يرفض؟!

لقد بنت محافظة طرطوس آمالها بمعالجة مشكلة معمل المعالجة بنقل القمامة إلى بادية حمص بالاتفاق مع محافظ حمص السابق على تخصيص محافظة طرطوس بألف دونم في الصحراء لتكون مطمراً لقمامتها بعد نقلها بعربات القطار أو عبر مستثمرين، لكن الرفض الذي قوبلت به الفكرة التي عرضها محافظ طرطوس صفوان أبو سعدى خلال زيارة رئيس الحكومة لمحافظة طرطوس، ألغاها من أساسها، وبدأ الاتجاه نحو إعادة تكتيم المجاري وقنوات الإسالة التي تستوعب السوائل الناجمة، وإبعادها عن مصادر المياه العذبة ما أمكن!.

لكن.. 

الحقيقة المؤكدة أن محافظة طرطوس ترزح تحت هاجس وطأة التخلص من معالجة قمامتها التي فشلت كل الأفكار والمعالجات الترقيعية الحاصلة، وهذا ما تدل عليه أوامر وقرارات المحافظة بالعودة لاستخدام المكبات التي أغلقت في المدن والأرياف لسنوات، ما أعادنا إلى حيث بدأنا، وأوقع كل الجهات في معضلة لا مخرج واضحاً منها، على الأقل في الأمد المنظور، فهل من حلول ومعالجات تمتلكها الجهات ذات العلاقة، لاسيما أن طرطوس محافظة سياحية كما هو معلوم؟!.