التهديدات الإسرائيلية.. حرب كلامية واستعراض غير مجدٍ
د. معن منيف سليمان
تصاعدت حدّة التهديدات الإسرائيلية ضدّ جمهورية إيران الإسلامية في مسعى إسرائيلي لتعطيل مفاوضات إحياء الاتفاق النووي 2015، من خلال إثارة التوترات في المنطقة، بالتزامن مع مناورات مشتركة في البحر الأحمر تجمع القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية مع القوات الإسرائيلية.
تنظر “إسرائيل” إلى إيران على أنها تمثّل تهديداً وجوديّاً، وقد حذّرت من أنها ستستخدم القوة العسكرية إذا لزم الأمر لمنع طهران من تطوير أسلحة نووية، لكن وعلى الرغم من تصاعد لهجة التهديد الإسرائيلي فإنها لا تخرج عن إطار الحرب الكلامية والاستعراض غير المجدي، ذلك أن “إسرائيل” لا يمكن لها أن تشنّ حرباً أو تفتح جبهة قتال مع دولة قوية بحجم وقدرات إيران العسكرية إلا إذا أرادت أن تعجّل في زوالها.
منذ 2015 تعارض “إسرائيل” أية مفاوضات مع إيران، وتشغل دوراً نشطاً لتعطيل هذه المفاوضات، فقد كانت من المعارضين لإبرام الاتفاق النووي بين طهران والقوى الكبرى، وخاصة بعد أن استأنفت أطراف الاتفاق في فيينا المباحثات الهادفة إلى إحيائه بعد الانسحاب الأمريكي الأحادي منه عام 2018.
ومع احتمال بأن يكتفي المفاوضون باتفاق مؤقت يقضي بتجميد بعض العقوبات لقاء التزام إيراني بوقف عمليات تخصيب اليورانيوم، لكن بدون إعادة تفعيل أدوات الرقابة الصارمة التي رافقت اتفاق عام 2015، يرى الإسرائيليون أن ذلك يتيح لطهران مواصلة السير نحو العتبة النووية في ظلّ امتلاكها لصواريخ وطائرات مسيّرة، وكذلك وجود حلفاء لها في العديد من دول المنطقة، وهذا ما ترفضه “إسرائيل” وتعدّه انتصاراً لطهران.
وتنظر “إسرائيل” إلى إيران على أنها تمثل تهديداً وجودياً فيما إذا امتلكت سلاحاً نووياً، وحذّرت من أنها ستستخدم القوة العسكرية إذا لزم الأمر لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية. وفي هذا السبيل أصدرت القيادة العسكرية الإسرائيلية تعليمات لجيش الحرب بالشروع في وضع خطط هجوم جديدة لتوجيه ضربة إلى المنشآت النووية الإيرانية والاستعداد لاحتمال نشوب حرب مع إيران، وكشفت تقارير صحفية أن الحكومة الإسرائيلية خصّصت مليارات الدولارات لجعل هذه الخطط قابلة للتطبيق.
وفي هذا الإطار من الاستعدادات أطلق رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي تصريحات أعلن فيها أن الجيش يكثف استعداداته لهجوم محتمل على المنشآت النووية الإيرانية.
في المقابل، جاء الردّ الإيراني شديد اللهجة، وصدر عن قائد القوى الجوية والصاروخية بالحرس الثوري الإيراني يقول فيه إنه سيتمّ تدمير “إسرائيل” في حال شنّت أي عدوان على إيران.
وبموازاة هذه الحرب الكلامية تجري مناورات فعلية مشتركة في البحر الأحمر تهدف إلى منع تموقع إيران البحري، فقد صرّح ضابط في سلاح البحرية الإسرائيلية “إن تهديد التموقع الإيراني في المنطقة هو تهديد في المجال البحري، ويجب الاستعداد له”. وأوضح الضابط الإسرائيلي أن “هذه المناورات هي جزء من برنامج عمل كامل ضدّ تموقع إيران بالتعاون مع الأمريكيين، والشركاء في التمرين”.
من الواضح أن إيران لا تريد أن تشنّ حرباً على أحد، أو أن تكون هي من تبدأ أية حرب في المنطقة، إلا إذا كانت ستردّ على هجمات “إسرائيل” على منشآتها النووية أو مصالحها في المنطقة. كما أن “إسرائيل” لا يمكن لها أن تشنّ حرباً أو تفتح جبهة قتال مع دولة بحجم وإمكانيات إيران العسكرية المتطورة. ولهذا فإن هذه التهديدات موجّهة بالدرجة الأولى إلى الاستهلاك الداخلي ذلك أن القادة الإسرائيليين يدركون تماماً أنه يمكنهم أن يبدأوا بشنّ الحرب، ولكن النهاية لن تكون بيدهم، ولا شك أن هذه النهاية هي تحطيم المؤسسة العسكرية الإسرائيلية والإسراع في زوال الكيان الإسرائيلي عن الوجود.