العد التنازلي لتوازن جيوستراتيجي جديد
هيفاء علي
جاءت الجولة الأولى من المفاوضات في فيينا تحت رعاية خطة العمل المشتركة الشاملة بدعم من فريق قويّ من المفاوضين الإيرانيين، حيث قدّم حينها كبير المفاوضين علي باقري كاني مسودتين للدراسة في جلسات مجموعات العمل.
منذ البداية، كان لقاء فيينا يركز على إعادة التأكيد على أولوية المصالح الإيرانية البحتة. وبالفعل، كشفت الجلسة الأولى أن الإدارة الإيرانية الجديدة لا تناوب بين فصيلين سياسيين متعارضين، ولكنها متشابهة إلى حدّ كبير.
لقد أوضحت إيران ببساطة “خطوطها الحمراء”: لا مناقشة بشأن الصواريخ الباليستية الإيرانية، لا مناقشة حول دور إيران الإقليمي، وعدم تجميد تخصيب اليورانيوم، حتى يتمّ الاتفاق على آلية رفع العقوبات وضمان تكرارها، والعودة إلى الإطار الأصلي لاتفاق 2015.
كما طالبت بضمانات ملزمة بألا تفرض العقوبات بشكل تعسفي، وأن تطبيع التجارة لن يُعرقل مرة أخرى بشكل غير رسمي بما يتعارض مع شروط الصفقة، كما حدث في عهد أوباما، وضرورة رفع جميع العقوبات.
في الحقيقة، تكمن أهمية محادثات فيينا هذه في سياقها الأوسع، حيث يكاد الموقف الإيراني يكون مطابقاً في مضمونه للموقف الروسي تجاه الولايات المتحدة فيما يتعلق بأوكرانيا. كما يتطابق الموقفان الروسي والإيراني مع الصين إزاء مسألة تايوان، حيث أوضح الرئيس الصيني ذلك في القمة الافتراضية التي عقدها مع بايدن في 15 تشرين الثاني الماضي، وحذّر فيها الرئيس الصيني من أي محاولة للانفصال.
هذه المواقف فاجأت الدول الغربية لأنها المرة الأولى التي يملي فيها الآخرون سلوكهم، ويحدّدون خطوطهم الحمراء بدلاً من توجيههم إلى خطوط الولايات المتحدة الحمراء. لكن ما لم يدركه الغرب هو أن أياديهم باتت ضعيفة، ذلك أن روسيا مستعدة لأي إجراءات ضدها، وهذا الأمر ينسحب على الصين، وعلى إيران التي أعدّت بهدوء أسلوب ردعها التقليدي خلال العقد الماضي.
وعليه، هذا المحور لم يعد يخشى الولايات المتحدة، وهم يعرفون بالفعل أن الميزان الاستراتيجي قد تحوّل لمصلحتهم، كما يعرفون أنه لن تكون إعادة الضبط الاستراتيجي سهلة، ورغم ذلك يبدو أن العدّ التنازلي بدأ لتوازن جيواستراتيجي جديد في العالم.