خواجات التكليف… وضريبة “بني تميم”!
علي بلال قاسم
أن نصل إلى نحو 2 تريليون ليرة كحجم تهرب ضريبي – رقم يعادل إجمالي قيم الدعم الاجتماعي في الموازنة العامة – ففي الرقم خطورة كبرى يمكن اعتبارها المسبب الرئيسي في العجوزات المالية وضيق الخناق عند صناع القرار في تحسين المستوى المعيشي ورفع القدرة الشرائية وبالتالي تحقيق كفاءة الخدمات العامة.
في الحديث عن التهرب الضريبي، لا يمكن القفز عن حقيقة ليست مرتبطة بدوافع ومبررات العزوف عن السداد، بل بتشريع قديم جداً ما زلنا نتعامل به، وهو النظام الضريبي الموضوع منذ العام 1949، مع وجود نحو 27 تشريعا بلا تحديث وتطوير. وكلها – باعتراف وزراء المالية المتعاقبين – تساهم في التملص والتهرب، أي أن المشكلة ليست بالعميل وتقصيره بقدر ما هو مساهمة حكومية متعمدة في الوصول إلى الـ 2 تريليون، بالشراكة مع كبار المكلفين الذين ليس من مصلحتهم الاقتراب من النص القديم الذي يناسب جيوب الفعاليات كلها من تجار وصناعيين وأصحاب منشآت.
وحدهم صغار المكلفين، وعلى رأسهم الموظفون، صامدون في دعم خزينة الدولة ورفدها بالموارد التي تشكل الضريبة الجزء الأعظمي من تلك الموارد، والسبب أن هذه الشريحة مربوطة برواتب من الدولة تقتطع مسبقاً، وبالتالي لا خوف على ضريبة الموظف، وعليه لسنا أمام أي معضلة في هذا الجانب، بل الكارثة في المكلفين الدسمين الذين تشكل ضريبتهم نسبة كبرى جداً وكلها صعبة الاستقطاب والجذب، وهذه الفئة من المكلفين في حال تم تطبيق التكليف الحقيقي عليهم فإن الحكومة عامة، و”المالية” تحديداً، تتهمان بتطفيشهم وتضييق الخناق عليهم وطرد الرساميل التي ترغب بتشغيل أموالها وتحريك عجلة الاقتصاد وتشغيل اليد العاملة.
ندرك أن ثمة أسباباً للتهرب قوامها عدم الوعي وقلة الثقافة العامة وخاصة نظرة المجتمع لسياسة الإنفاق العام الذي تعمل عليه الحكومة، ولكن لا يمكن تجنب وقائع تتعلق بالأزمة والحصار ومعدلات التضخم وكلها عوامل خلقت ظروفاً اقتصادية سمحت بزيادة معدلات التهرب بشكل أوسع، وفي كلتا الحالتين نسأل وزارة المالية: هل هي عاجزة عن تغيير النظام الضريبي؟ وهل هي مضطرة لمسايرة كبار المكلفين وتطييب خواطرهم وشراء رضاهم؟ نسأل من منطلق أنهم داعمون لموارد الدولة على الورق فقط، في حين نعلم أنهم متهربون بامتياز، ولكن بلا مواجهة وزعل!
في تشرين الثاني الماضي، أعلنت وزارة المالية عن مساعي مع الجهات الشريكة لتطبيق القانون الخاص بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.. تطبيقه على كل من يتهرب ضريبياً ومن يساعده في ذلك.، فيا ترى هل حصل هذا التوجه المبطن بالتهديد والوعيد؟
هنا يبدو الاعتقاد قوياً بأن التصريح يحمل مضمامين الردع النفسي وليس التطبيق العملي حتى لا يغضب “بنو تميم” من كبار المكلفين، وبناء عليه سنشهد في نهاية العام تقريرا صادرا عن الوزارة يفيد بتنظيم عدد من ضبوط التهرب بقيم مليارية محددة، كما حصل في نهاية العام الماضي، مضاف إليه وعود مكررة عن إلغاء كافة التشريعات الموجودة حالياً والإبقاء على ضريبتي الدخل والمبيعات والتي ستحل محل ضريبة الإنفاق الاستهلاكي.
نذكر أنه عندما افتتحت وزارة المالية “نادي كبار المكلفين”، تم التطبيل والتزمير لهذه الخطوة على أنها إنجاز استثنائي في تاريخ السياسة الضريبية، ستجذب قطاع الأعمال وأصحاب المنشآت من أقاصي الأرض، ليجتمعوا في أجنحة فخمة جداً ممنوع دخولها إلا لذوي المال والجاه وخواجات الرأسمالية الوطنية الذين حرصت الحكومة آنذاك على دلالهم وغنجهم لدرجة تخصيص “سويت Vip ” يخدمه موظفون منتقون بعناية فقط كي يكون رجل الأعمال في راحة واستجمام كاملين عل وعسى يدفع ما يمليه علية الواجب والمسؤولية الأخلاقية وليس بصيغة الاستجداء.,!
اليوم لم يتغير شيئ.. فالمضيفون بلا ضيوف شرف، وما ينجزه النادي على صعيد التحصيل قد لا يسد فاتورة الضيافة اللائقة، وما زاد المسألة تشبيكا تنامي التهرب الضريبي، ليصبح حسب تسريبات مقربة تَمَنُّع تام وقطيعة طويلة عن تسديد الضريبة، لذا ثبت أن عملية تحفيز المكلفين الكبار أو ممن يوصفون بأنهم داعمو الخزينة الرئيسون بنادي الـ “هاي لايف” لم تؤت أوكُلها. فعلى ما يبدو أن حكومتنا وماليتنا تعمل بالمقولة الشهيرة “من أغضب بني تميم فقد أغضب القوم جميعاً”..!