ملف اللاجئين ورقة رابحة بيد الائتلاف الألماني الجديد
محمد نادر العمري
بعد تمكّن الحزب الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا من الإطاحة بخصمه التقليدي حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، وتشكيل ائتلاف حكومي مع حزبي الليبرالي والخضر، بات السؤال يطرح في الداخل والخارج الألماني عن طبيعة السياسة المرتقبة بعد تغيّر هذا المشهد؟.
أولاف شولتز البالغ من العمر 63 عاماً والذي فاز بمنصب المستشارية يصنّف على أنه شخصية غامضة في نوعية سياسته نوعاً ما بالنسبة للشعب الألماني والرأي العام الأوروبي، على الرغم من توليه منصبين حكوميين خلال فترة ولاية المستشارة الحديدية إنجيلا ميركل، وترؤسه للحزب الاشتراكي في ألمانيا حتى عام ٢٠٠٤ عندما تخلّى عن هذا المنصب وفضّل العمل بمجاله القانوني، ليعود للعمل السياسي بعد اختياره عقب التحالف الكبير الذي جمع بين الاشتراكيين والمسيحيين في تلك الآونة ليكون وزيراً للعمل لأول مرة قبل أن يعيّن وزيراً للمالية.
وعلى الرغم من أنه يعتبر من خصوم المستشارة ميركل في الحياة السياسية، إلا أنه كان مقرباً منها وتربطه بها علاقة وصفتها ميركل ذاتها بأنها كانت تقوم على الثقة. غير أن هذه الثقة قد لا تكون سبباً لاتباع السياسة نفسها التي رسمتها ميركل لألمانيا على ما يزيد من عقد ونيف، وهو ما دفع بمتابعين سياسيين وإعلاميين ألمان وأوروبيين لطرح أسئلة حول طبيعة السياستين الداخلية والخارجية لألمانيا في حقبة شولتز، خاصة وأنه وصل لمنصبه هذا نتيجة تحالف مع حزبين آخرين لهما أيضاً برامجهما السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومن المؤكد أن ائتلافهما الحكومي لم ير النور إلا بعد التوافق على صيغة نقاط في البرامج التي ستتبع.
ومن أبرز هذه السياسات وأكثرها إلحاحاً على الصعيد الداخلي، يأتي ملف اللاجئين الذي تصدّر المشهد، وخاصة في ظل موقف شولتز الشخصي المؤيد لاستقبال اللاجئين واتباع برامج تعليمية واجتماعية لسهولة انخراطهم في المجتمع، فالاقتصاد الألماني بحاجة لقوى بشرية في ظل تراجع نسبة الفئة الشابة والعاملة، بالتزامن مع تراجع معدلات الولادة، وهو ما يهدّد ألمانيا مستقبلاً بتراجع قدراتها الاقتصادية وزيادة نسبة الكهولة بين الفئات العمرية، ما يفسّر اهتمام الائتلاف الحكومي الحالي بملف اللاجئين، وترحيب حزبي الخضر والليبرالي باستقبال المزيد منهم، وخاصة أصحاب الفئات العمرية الشابة للاستفادة من مقدراتهم لتطوير الاقتصاد.
لذلك من المتوقع أن يقوم المستشار الجديد باتخاذ إجراءات وتدابير أكثر مرونة فيما يتعلق بهذا الملف، وهو ما سيخلق أعداء له من داخل حزبه أولاً، ولاسيما اليمين اليساري الذين يمتازون بعنصريتهم العرقية، ومن أحزاب اليمين التي لم تترك مناسبة أو حدثاً منذ عام ٢٠١٥ لانتقاد المستشارة السابقة التي اتخذت قراراً بالسماح للمهاجرين غير النظاميين لدخول بلادها.
هذه المرونة التي قد تبديها الحكومة الجديدة من تقديم الحماية للاجئين وتمسكها بهم وتقليص فترة دراسة طلبات لجوئهم والإسراع بها، قد تواجه على مستوى إقليمي بقلق أوروبي أيضاً وخاصة في الدول التي تتخذ سياسات عنصرية وقمعية وغير إنسانية بحق اللاجئين، وهو ما سيدفع هذه الفئة الأخيرة نحو احتجاج في بعض الدول الأوروبية للمطالبة بمعاملة شبيهة لألمانيا، فضلاً عن أن نتائج هذه السياسة المتوقعة لأولاف من شأنها دفع المزيد من اللاجئين في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا لتركيز جهودها للوصول لألمانيا، وهو ماسيدخل الأخيرة في أزمة خارجية مع بعض الدول التي ينطلق منها اللاجئون، ودول المرور أو العبور أيضاً.
أما عن الأسباب التي قد تدفع الائتلاف الجديد لإعطاء ملف اللاجئين أهمية وأولوية قصوى ضمن أجنداته، فتكمن إلى جانب الدافع الاقتصادي والسعي لرفع معدلات النمو، في تكريس الحالة السياسية الجديدة التي أوصلت الاشتراكي لدفة الحكم في ألمانيا، حيث يسعى الاشتراكي ومن خلفه الحزبان الشريكان له في الحكومة من وراء هذه التسهيلات لزيادة حاضنتهما الشعبية والحزبية نتيجة ماقد يقدمانه من تسهيلات متوقعة للاجئين الذين سيتحولون مع مرور الزمن لمواطنين ألمان يحق لهم الانخراط في العمل السياسي بما في ذلك الترشح والاقتراع.