دراساتصحيفة البعث

الناتو يعسكر أوكرانيا

سمر سامي السمارة 

بهدف تعزيز التصعيد والتوتر وعدم الاستقرار في أوروبا الشرقية، يستثمر الغرب مرة أخرى في مناورات عدوانية في أوكرانيا، حيث يرسل مقاتلين مسلحين إلى الأراضي الأوكرانية، بدعوى أنهم “مدربون عسكريون”، لكن بالنظر إلى الأيديولوجية العنصرية المعادية لروسيا التي توجّه مواقف حكومة كييف الموالية للغرب، وتؤدي إلى المزيد من العنف يوماً بعد يوم، فإن عسكرة أوكرانيا تشكّل خطورة بالغة للغاية.

قالت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، في تصريحات صحفية مؤخراً: “يتمّ ضخ الأسلحة إلى أوكرانيا بالأسلحة، ويدور الحديث عن توريدات مباشرة وعقود مستقبلية تبلغ قيمتها المليارات. علاوة على ذلك، يتمّ إرسال المسلحين إلى هناك بدعوى أنهم المدربون العسكريون”.

ولا يزال الدور الذي سيلعبه مقاتلو الناتو المشتبه بهم، أو المستشارون على الأراضي الأوكرانية غير واضح، ولكن يمكن توقع الكثير من التكهنات نظراً للواقع السياسي والاجتماعي الحالي لأوكرانيا، حيث يمكنهم العمل مع مختلف عصابات النازيين الجدد والميليشيات شبه العسكرية التي تخدم الحكومة الأوكرانية.

ومن المرجّح أن يكون هناك بعض التحرك، بمعنى محاولة إنشاء قوة موحدة أوكرانية تجمع بين جنود الحكومة والميليشيات والعملاء الخاصين، خاصة وأن الناتو في خططه الاستفزازية، يشجع هذا النوع من التنظيم من خلال إرسال مهام استشارية.

تاريخياً، ترعى الولايات المتحدة “البارانويا المعادية لروسيا” في أوكرانيا، ولكن الآن جهات فاعلة جديدة في الناتو على استعداد لدخول اللعبة، على سبيل المثال، كثفت تركيا أنشطتها في كييف بهدف خلق توترات مع روسيا، وازدادت خلافات أنقرة وموسكو مؤخراً، وذلك بسبب دعم تركيا نشر حلف شمال الأطلسي قواعده في منطقة وسط آسيا في دول الاتحاد السوفييتي السابقة، وإجراءات تركيا المزعزعة للاستقرار في أزمة ناغورنو كاراباخ. ونتيجة لذلك، عزّزت الحكومة التركية أنشطتها مع قوى الناتو الأخرى لإثارة التوترات وعدم الاستقرار على الحدود الغربية الروسية.

تلتزم واشنطن وأنقرة حالياً بعسكرة أوكرانيا ونقل رسالة الأمن والتعاون إلى حكومة زيلينسكي الموالية للغرب، حيث تمّ نشر معدات عسكرية أمريكية وتركية على الأراضي الأوكرانية، تتضمن المركبات الجوية، مثل الطائرات بدون طيار التركية “بايراكتار تي”، وأنظمة مضادة للصواريخ الأمريكية، فضلاً عن أجهزة اتصالات واستخبارات هائلة. كما وافقت الحكومة الأمريكية مؤخراً على حزمة مساعدات عسكرية بقيمة 300 مليون دولار لأوكرانيا، بالإضافة إلى ذلك، تستثمر الولايات المتحدة 20 مليون دولار أخرى في مشروع محدّد لتعزيز خدمة أمن الحدود في أوكرانيا، كما قدمت المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي مساعدات مماثلة، بينما لا تزال تركيا تساعد بشكل أكثر سرية، دون الإعلان عن حزم كبيرة من المساعدات الاقتصادية، لكنها كانت مستعدة لإرسال المزيد والمزيد من الأسلحة والعملاء.

يخلق هذا النوع من “المساعدة” القادمة من الغرب، إحساساً زائفاً بالاستقرار والأمن لأوكرانيا، حيث يعمل الناتو ببساطة شديدة على خلق التهديد -في هذه الحالة، ما يُسمّى “بخطة الغزو الروسي”- ثم يقترح الحل الذي يناسبه.

يعتقد الأوكرانيون أنهم معرضون بالفعل للتهديد من روسيا، لذا فهم يلجؤون بشكل متزايد لمساعدة الغرب الذي يملأ أوكرانيا بالمسلحين والمعدات العسكرية ويشجع كييف على التصرف بشكل أكثر عدوانية على الحدود.

في الواقع، يبدو أنه الحكومة الأوكرانية على ثقة تامة في أنه إذا تفاقم الوضع بالفعل ونشأ صراع، فإن الناتو سيأتي على الفور للمساعدة في إحباط أي تهديد، لكن هذا وهم خطير للغاية. إذ بحسب مخطط أمن الناتو، يتمثل دور أوكرانيا في أن تكون بمثابة وكيل استفزازي لزعزعة استقرار البيئة الإستراتيجية الروسية، فلا قيمة لكييف بالنسبة للغرب غير ما يمكن أن تقدمه لإلحاق الضرر بموسكو، لذا يخصّص الناتو المزيد من الأسلحة والمسلحين على الأراضي الأوكرانية ويشجّع الصراع، لكن هذا سيستمر إلى حدّ معيّن.