تنافس على “شفط” الثلاثة آلاف مليار!!
علي عبود
لم يطق التجار، ولا كل من يُقدم خدماته المأجورة، صبراً، فلم ينتظروا حتى تصل زيادة الرواتب إلى أيدي العاملين المدنيين والعسكريين والمتقاعدين، فانخرطوا كلهم في منافسة عنوانها: “من يشفط أكثر”!.
نعم، الكل بدأ بمنافسة محمومة للفوز بحصة من “كعكة” الزيادة التي قدّر معاون وزير المالية منهل هناوي تكلفتها مع التعويضات الجديدة بمبلغ 3 آلاف مليار ليرة!.
وإذا كان سائقو سيارات التكسي سبّاقين دائماً بزيادة الأجرة، فقد وجدوا برفع سعر البنزين والرواتب معاً فرصة ذهبية “للشفط السريع” دون أي حسيب أو رقيب!.. كما أن الكثير من السلع التي تحضر على موائد السوريين في أعياد الميلاد ورأس السنة، وجد تجارها بزيادة الرواتب فرصة ذهبية لرفع أسعارها من منطلق أن المواطن زادت قدرته الشرائية بنسبة 30% شهرياً مقارنة بدخله السابق!.
لن تنفع تهديدات وزير التجارة الداخلية بالويل والثبور، ولا بالضرب بيد من حديد، أي بتشديد العقوبات لمخالفي نشرات الأسعار التموينية، فقد قُضي الأمر وارتفعت الأسعار قبل قبض المستحقين للزيادة!.
وقبل أن يهدد الوزير مربي الدواجن مثلاً بعدم رفع أسعار منتجاتهم من الفروج والبيض، فليطلب من الجهات الحكومية نفسها ألا ترفع أسعار منتجاتها وخدماتها كما فعلتها وزارة الصحة، أو غيرها من الجهات التي قد تفعلها خلال القادم من الأيام!.
لقد سبقت وزارة الصحة أصحاب سيارات الأجرة، فرفعت فور صدور مراسيم الزيادة أسعار الدواء بنسبة توازي تماماً نسبة زيادة الرواتب، أي 30 %، فهل هي مصادفة؟!.
الملفت أن وزارة الصحة لم ترفع أسعار زمر دوائية محددة كما كانت تفعلها في السابق، بل تقصّدت رفع أسعار 12758 صنفاً دوائياً كي تضمن “شفط” أكبر قدر من نسبة الزيادة من كل مريض يشتري أي صنف من الدواء رخيصاً كان أو ثميناً!.
قد لا يتذمر كثيراً من يشتري الأدوية في حالات المرض العابرة كالرشح والزكام من زيادة سعرها 30%، لكن الأمر مختلف تماماً مع الأمراض المزمنة التي يتعاطى أصحابها الصنف الدوائي يومياً، وهذا يعني أن زيادة الراتب بالنسبة للموظفين والمتقاعدين سيذهب معظمها إلى الأدوية، وتعني لغيرهم اقتطاعاً جديداً من دخلهم لم يحسبوا له حساباً!.
بدا واضحاً أن وزارة الصحة كانت تنتظر صدور قرارات زيادة الرواتب كي تستجيب لرغبة شركات الأدوية برفع أسعار جميع الزمر الدوائية، بل من شدة فرحها لم تطق صبراً فتنتظر حتى أول الشهر لتصدر قرار زيادة الأدوية بنسبة 30%، فأصدرتها بالتزامن مع مراسيم الزيادة!.
ما نريد قوله: إن معظم التجار والجهات الحكومية وجدت في زيادة الرواتب فرصة لرفع أسعار منتجاتها وخدماتها كي “تشفط” الحصة الأكبر من كعكة الثلاثة آلاف مليار الجديدة التي ستضخ في الأسواق تدريجياً، بل إن عدة جهات حكومية سبقت التجار بفعلتهم لمعرفتها المسبقة بأن زيادة الرواتب على وشك الصدور، فرفعت سعر البنزين المدعوم، وقبلها بأسابيع رفعت سعر الغاز والمازوت والكهرباء!.
الخلاصة: بفعل المنافسة المحمومة على “شفط” دخلهم من قبل التجار وعدة جهات حكومية، سيكتشف العاملون والمتقاعدون عند صرف راتبهم الجديد المتضمن الزيادة والتعويضات أن قدرتهم الشرائية لم تتحسّن.. بل وربما انخفضت!!