أوكرانيا “كبش الفداء”
هيفاء علي
بدأت جميع وسائل الإعلام الأوكرانية بتسويق فكرة احتمال نشوب حرب مع الاتحاد الروسي، وهذا التجييش ليس حديثاً، حيث استُخدم هذا السيناريو منذ عام 2014، أي منذ الانقلاب الموالي للولايات المتحدة.
وعادة ما يُستخدم هذا التكتيك بشكل عام لصرف الانتباه عن القضايا الاقتصادية، وقمع المعارضة السياسية، لكن الخلاف اليوم هو بالاعتماد على المنشورات الأمريكية والبريطانية التي باتت المصدر الرئيسي لتوقعات الرعب خلال الأسبوعين الماضيين. في البداية أطلقوا على هذه التنبؤات اسم “شائعات الذعر من روسيا”، ولكن بعد زيارات وزراء عسكريين من الدول الغربية إلى كييف، اضطرت السلطات الأوكرانية إلى القبول وبدأت مطيعة في ترديد التنبؤات الغربية. وفي الأيام الأولى من شهر تشرين الثاني الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن نشر 90 ألف جندي روسي بالقرب من الحدود الأوكرانية، وبعد أسبوعين فقط، وافقت السلطات الأوكرانية على تسويق الفكرة.
وبعد محادثات مع الولايات المتحدة، حاول بعض كبار المسؤولين العسكريين الأوكرانيين تأكيد المزاعم الأمريكية، حيث أفاد رئيس المديرية الرئيسية للاستخبارات في وزارة الدفاع الأوكرانية كيريل بودانوف، أن الاتحاد الروسي ركز أكثر من 92000 جندي بالقرب من الحدود مع أوكرانيا ويستعد للهجوم من هنا إلى أواخر كانون الثاني أو أوائل شباط 2022، مضيفاً أن الهجوم المرجح أن يبدأه الاتحاد الروسي يشمل غارات جوية وهجمات مدفعية وهجمات مدرعة، تليها ضربات في شرق أوكرانيا، وهجمات في أوديسا وماريوبول، وغزو بيلاروسيا.
ومن ثم بدأ موقع “بلومبرغ” نشر معلومات مماثلة تدّعي أن الروس كانوا يخطّطون لشنّ هجوم من ثلاث جهات تبدأ من شبه جزيرة القرم والحدود الروسية الأوكرانية وإقليم بيلاروسيا.
في 24 تشرين الثاني الماضي، أصدرت السفارة الأمريكية في أوكرانيا تحذيراً للمواطنين الأمريكيين، نصحتهم بعدم السفر إلى شبه جزيرة القرم وشرق دونباس بسبب “نشاط عسكري روسي”. لكن ليس من الواضح سبب حديثهم عن هذه المجالات حيث تمتلك روسيا آلاف الكيلومترات من الحدود المشتركة.
في سياق هذه التصريحات المثيرة للقلق، زادت الولايات المتحدة وبريطانيا توريد الأسلحة إلى كييف، حيث تهبط طائرات تحمل شحنات عسكرية في كييف كل أسبوع. وفي أواخر تشرين الثاني، ولأول مرة، تمّ استخدام أنظمة “جافلين” الأمريكية المضادة للدبابات في دونباس، وهناك معلومات تقول إن كندا تدرس احتمال زيادة عدد قواتها في أوكرانيا. كما أبدى وزير الدفاع السويدي استعداده لإرسال قوات إلى أوكرانيا للمساعدة في تدريب جنود البلاد. حتى المملكة المتحدة أعلنت استعدادها لإرسال 600 من مشاة البحرية إلى أوكرانيا في أي وقت. من الواضح أن 600 فرد عسكري ليسوا قوات كافية لمحاربة روسيا، لذلك يبدو الهدف مختلفاً بشكل واضح، فهل ستكون كييف” كبش الفداء” للولايات المتحدة وبريطانيا العظمى؟.
بحلول نهاية تشرين الثاني الماضي، تسبّبت هذه الشائعات في انخفاض قيمة العملة الأوكرانية، وفي السنوات الأخيرة، وبناءً على نصيحة الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي، زادت أوكرانيا الهرم المالي للسندات الحكومية المحلية، حيث باعت هذه السندات قصيرة الأجل للأجانب بنسبة 12٪، لكن الآن يسارع الأجانب بأعداد كبيرة للتخلص من أوراقهم المالية الأوكرانية وشراء الدولار الأمريكي وإخراجهم من البلاد.
وهكذا استعدت كييف لدور “كبش الفداء”، الذي يجب أن يصل إلى المسلخ، لكن لا يزال لديها القليل من غريزة الحفاظ على الذات، لذلك ستواصل أوكرانيا، قدر الإمكان، محاكاة الحرب مع روسيا ببساطة. ولكن بعد ذلك ستدخل أساليب الضغط الاقتصادي حيز التنفيذ: إما انهيار اقتصادي بسبب اعتماد أوكرانيا على المساعدات المالية الغربية، أو استفزاز عسكري سيكبدها هزيمة مدوية مصاحبة لهزيمة جولة جديدة من الهستيريا المعادية لروسيا في الغرب على حساب المئات، إن لم يكن الآلاف، من الأرواح البريئة!.