انتخابات ليبيا بين الحقل والبيدر
علي اليوسف
تتزاحم النخب والقادة عبر مخطّط الطيف السياسي في ليبيا، قبل الانتخابات المقررة 24 كانون الأول الجاري، على أمل استغلال أو التحايل أو إحباط المنافسة التي حدّدتها الأمم المتحدة. ووسط حالة من عدم اليقين العالية، يبدو أن قادة ليبيا لديهم موهبة في زيادة الارتباك من خلال احتلال عناوين الصحف.
في نيسان 1999، رأت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أن ليبيا تخلّت عن الإرهاب، وبدأت في تطبيع العلاقات من خلال السماح برفع مؤقت لعقوبات مجلس الأمن الدولي التي كانت قد فُرضت بعد تفجير لوكربي عام 1988. وبعد فترة وجيزة من إبرام الولايات المتحدة صفقة مع طرابلس في كانون الثاني 2003، حيث ألغت ليبيا برنامجها المبدئي لتطوير أسلحة الدمار الشامل مقابل إعادة دمجها في نهاية المطاف في المجتمع الدولي، وتمّ إطلاق مشروع إصلاح شامل يُسمّى “ليبيا الغد” كان يهدف إلى تعزيز تحديث البلاد. وتميّز المكون الاقتصادي لهذا المشروع بمشاريع بناء بقيمة عشرات المليارات من الدولارات، نفذت في الغالب من قبل التكتلات التركية والصينية.
كان الغرب يرغب في رؤية ليبيا تفتح أسواقها وتخصخص أعمالها التجارية، لكن لم يتمّ التسامح مع أي تحرك حقيقي في هذا الاتجاه. ففي تشرين الأول 2004، أضرب السجناء السياسيون عن الطعام في قلعة “أبو سليم”، وحينها استغلت طرابلس الحادث وأصدرت قراراً بالعفو عن المضربين لإظهار انفتاح البلاد على الإصلاح. وبحلول تشرين الأول 2008، كانت “ليبيا الغد” قد لبّت تقريباً كل التوقعات، وزارت وزيرة الخارجية الأمريكية حينها، كوندوليزا رايس، طرابلس بنفسها، وتمّ تأكيد وجود سفير أمريكي في ليبيا، وألغيت المسؤولية القانونية لليبيا في قضايا الإرهاب الأمريكية بفضل الدفع الكامل للتعويضات للضحايا. بدأت الشركات الأجنبية في العودة، وبدأ بعض التعاون الأمني المنخفض المستوى مع القوى الغربية. ومع رفع العقوبات وارتفاع أسعار النفط، تحسّنت الظروف المعيشية في ليبيا. ورغم ذلك نادراً ما كان المراقبون الأجانب يقدّرون التوتر المتصاعد في ليبيا. في غضون بضعة أشهر، تكثفت المقابلات الشخصية مع رايس في واشنطن في أواخر عام 2008، أي قبل أسابيع من مغادرة الرئيس جورج دبليو بوش لمنصبه. وبمجرد دخول باراك أوباما إلى البيت الأبيض، ركزت وزيرة الخارجية وقتها هيلاري كلينتون على الحاجة إلى إصلاحات سياسية، مما سمح لمجتمع الاستخبارات بالتغلغل في ليبيا بحجة التعاون في مكافحة الإرهاب.
الآن، تعيش ليبيا الإحباط الشعبي من فوضى ما بعد 2011، وربما يكون هناك استبعاد جماعي للمتقدمين إلى الانتخابات الرئاسية، بمن فيهم سياسيون من ذوي الوزن الثقيل. ووفقاً لستيفاني ويليامز، التي سبق أن شغلت منصب نائب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا، فإن هذه الانتخابات ينتظر أن تصبح جزءاً من حلّ المشكلة الليبية، بالنظر إلى أهمية منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالنسبة للولايات المتحدة، لكن هل تتفق حسابات الحقل والبيدر؟.