النحالون يشتكون من “لسع” العسل المغشوش ويطالبون بالدعم
يشعر مربو النحل بالغبن، فالظروف التي يعمل بها معظمهم لا تتناسب مع ما يقدمونه من منتجات عالية الجودة من العسل، عدا عن نشاطهم في إنتاج سم العسل والعكبر ومنتج غبار الطلع البلدي، وهي مواد أولية تدخل بصناعة الكثير من الأدوية الطبية والمواد التجميلية وغيرها من المنتجات مما يزيد من أهميتها، ليس فقط داخلياً وإنما على مستوى التصدير، ورغم هذه المعاناة إلا أنها لم تستطع إحباط طموح النحالين لتطوير عملهم ورفع مستوى نشاطهم للوصول لمنافسة حقيقية مع منتجات عربية وعالمية، خاصة وأن هناك علامة فارقة للعسل السوري تميّزه عن غيره نتيجة التنوع الجغرافي الذي أكسب سورية غنى حقيقياً بالنباتات العطرية والورود غير موجودة في الدول المجاورة، وهذا ما يجعل منتجاتنا من العسل تحمل خصوصية وقيمة استثنائية في عناصرها وقيمتها الغذائية والطبية.
مواد مسرطنة!
من يتجول في الأسواق يلاحظ وجود المنتجات المزوّرة والمغشوشة لمادة العسل، حتى أنها تباع على الأرصفة ولا تلاقي أي ردة فعل من مديرية حماية المستهلك بوزارة التجارة الداخلية، وهذه المنتجات باتت تشكل هاجساً مقلقاً للنحالين.
وهنا يكشف رئيس جمعية النحالين رضوان طه أن تلك المنتجات المغشوشة تعتمد على السكر المغلي “قطر” الذي تضاف له منكهات مختلفة وبعض المواد الصناعية لمقاربة المنتج من طعم العسل الحقيقي، مشيراً إلى أن قيمة كيلو العسل المغشوش تصل إلى نحو /5000/ ليرة بينما الكيلو الحقيقي يباع بالجملة بـ/18000/ ليرة، وهذا برأيه يعتبر تنافساً غير شريف بالأسعار يهدف لاستقطاب الناس إلى منتجات مغشوشة لا ترتقي لتمثيلها أو مقارنتها بالعسل الطبيعي، لكن المشكلة الخطيرة –بحسب طه- هي بالأضرار التي يسبّبها العسل المغشوش على صحة المستهلك بسبب المواد المستخدمة في تصنيعه والتي تؤدي إلى أمراض عدة، منها السرطان وأمراض الكبد وتشكل الأكياس المائية وغيرها العديد من التأثيرات السلبية على مناعة الجسم. وأعرب رئيس جمعية النحالين عن قلقه لعدم وجود وعي لدى المواطنين بمخاطر هذا النوع من المنتجات، والأخطر هو تجاهل وجودها من قبل الجهات الرسمية المعنية وعدم اتخاذ الإجراءات المناسبة لتوقيف صناعتها ومعاملها المنتشرة في أرياف معظم المدن السورية، مطالباً وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بالعمل الجاد لمكافحة المصادر الأساسية للمنتجات المزورة ومصادرتها.
خارج المواصفات
لا تقف تحديات النحالين أمام مصنّعي العسل المغشوش وإنما تصطدم بطبيعة التعامل مع أهم منتج غذائي، والتقصير في تعديل العديد من القرارات التي تقيد تطور العمل وتمنع إحداث تفاعل ومبادرة مع التقدم الحاصل في تنوع المنتجات، وبحسب طه فإن المشكلة تكمن في تحديد مواصفات العسل السوري، فالعسل المحلي يخضع لمواصفات أخذت علامات الجودة التي حُدّدت للعسل الأوروبي، لكنها لا تتناسب مع خصوصية مزارعنا ولا خصوصية منتجنا المحلي الذي يملك العديد من الصفات والعلامات الفارقة مقارنة بغيره من منتجات محلية وعالمية، وأشار إلى أنهم ينتجون مادة غبار الطلع البلدي وهو من أهم العناصر المستخدمة كمواد أولية طبية، بالإضافة إلى منتج سم العسل والذي يصل الغرام الواحد منه إلى /200/ ألف ليرة، وهو يدخل في تركيب الأدوية السرطانية. ودعا طه إلى إعادة النظر في تحديد المواصفات التي تعتمدها الجهات المختصة لتحديد المواصفات التي تتناسب مع عسلنا ومواصفاته المتنوعة، بدلاً من اعتباره عسلاً غير مطابق للمواصفات العالمية.
غياب الدعم
تربية النحل ومزارعه تتطلّب اهتماماً كبيراً من مربيه، لكن العقبات أصبحت حالياً كبيرة أمامهم، وهذا ما دفع العديد من النحالين للتساؤل حول إمكانية دعمهم من خلال وزارة الزراعة أو النقابة أو اتحاد الفلاحين بشكل عملي على الأرض بعيداً عن التصريحات. ويوضح النحال ياسين قداح أن النحالين مختلفون في طبيعة تنظيمهم، فمنهم من يتبع لنقابة المهندسين الزراعيين ومنهم من يتبع لاتحاد الفلاحين وغيرها من الجهات، وهذا برأيه يجعل العمل على تطوير هذا القطاع أكثر صعوبة، وخاصة ما يتعلق بحل مشكلاته وهمومه، مشيراً إلى أن العديد من النحالين خسروا مزارع النحل لديهم ولم يستطيعوا إلى الآن تعويض ولو جزء صغير من تلك الخسائر، علماً أن عدد النحالين في سورية يبلغ نحو /6000/ نحال، موضحاً أن غياب الدعم عن هذا القطاع تسبّب بتسرب كبير من العاملين فيه. ويرى قداح أن الدعم ممكن أن يكون عبر قروض أو دعم عملية التسويق وفتح أسواق له في الدول المجاورة وخاصة العراق فهي مستهلك كبير للعسل السوري، إضافة لتقديم الدعم الإعلامي والتوعوي.
ليس مهمشاً
ربما تشعّب الجهات التي ينتمي إليها النحالون تسبّب الكثير من فقدان الرعاية الحقيقية لهم، لكن رئيس اتحاد الغرف الزراعية السورية محمد كشتو له رأي آخر، مؤكداً أن قطاع النحل ليس مهمشاً وإنما يدخل في صلب منظومة عمل جميع الجهات الرسمية المعنية إلا أن له خصوصيته وظروفه الخاصة به، مشيراً إلى اتخاذ العديد من الإجراءات والقرارات الداعمة للنحالين، أهمها الموافقة على الرعي بالأحراج مجاناً، وتقديم مخصّصات المازوت اللازمة، بالإضافة إلى إجراء التحاليل المجانية للمنتجات وتخفيض أجور المنتجين، لافتاً إلى السعي الدائم لتنظيم المعارض للترويج للمنتجات وزيادة المبيعات واستهداف مستهلكين جدد، أما بالنسبة إلى العسل المغشوش فلم ينفِ كشتو وجوده كغيره من السلع الأخرى المنتشرة في الأسواق، مبدياً الاستعداد لتلقي أي فكرة مدروسة من قبل النحالين يمكن أن تساهم في تطوير هذا المنتج والترويج له ودعمه تسويقياً، موضحاً أنه لا توجد أية مشكلة بخصوص الربط والتنسيق مع جميع الجهات المعنية بهذا القطاع لتحسين واقعه، مطالباً بالجدية في تقديم المقترحات في كل المناسبات للوقوف على الأفكار البنّاءة: “نحن جاهزون لأي خطوة إيجابية للدعم”.
ميادة حسن