دراساتصحيفة البعث

أردوغان يوظف الأيغور لأهداف اقتصادية

محمد نادر العمري 

بات الوضع الاقتصادي في تركيا حديث العامة والمتخصّصين في مجال العلاقات الدولية والشأن التنموي الاقتصادي، حتى أنه لا يمكن لأي متابع للشأن الاقتصادي والسياسي التركي أن يخفي حقيقة تردي الواقع الذي دخلته تركيا وشعبها خلال العامين السابقين من تراجع لقيمة الليرة التركية، ومانجم عنه من بدء انسياب وهروب رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية، وتراجع الوضع المعيشي، والتضخم السريع الذي أصاب الاقتصاد الكلي وأدخله دوامة الفوضى العبثية، حتى بات هناك إجماع داخل تركيا وخارجها أن ما آلت إليه الأمور الاقتصادية من تصدّع وتراجع كبيرين، يعود لقرارات نظام الحكم واستبداده الذي يتزعمه المدعو رجب أردوغان وحزبه الحاكم، وانسحاب العديد من أركان حزبه المؤثرين والخبراء في كل المجالات، بما في ذلك المجال الاقتصادي مثل وزير المالية والاقتصاد السابق “علي باباجيان” وانضمامه لصفوف المعارضة، كنتيجة حتمية لسياسة أردوغان التسلطية، فضلاً عن التحول الذي شهدته السياسة الخارجية ضمن إطار “صفر مشاكل” والتي سمحت لتركيا بتنويع علاقاتها الاقتصادية إلى “صفر أصدقاء”، وأسفرت عن شبه عزلة في التعامل مع المحيطين الإقليمي والدولي، والتي كانت أحد أبرز الأسباب البنيوية لهذا التراجع، فضلاً عن التكلفة الباهظة للتدخلات والاعتداءات العسكرية العدوانية لتركية في سورية والعراق وليبيا وإقليم كرباخ وغيرها، والصراع الذي مازال محتدماً مع الاتحاد الأوروبي بشأن اللاجئين وملف الطاقة المتصارع عليه في المتوسط.

كما أنه نتيجة احتكاره للقرار الاقتصادي الداخلي واتخاذه لقرارات ارتجالية مثل تغيير أربعة محافظين للبنك المركزي في أقل من عام ونصف، وتخفيض سعر الفائدة الذي ساهم بشكل فعّال بسرعة في انحدار وتدهور قيمة الليرة التركية، وتكليف صهره عديم الخبرة لشغل منصب وزير المالية.

الوضع الاقتصادي التركي في حالة يمكن وصفها بالسقوط السريع، وهو مايزعج أردوغان كثيراً، ولاسيما أنه يأتي قبل عام من الانتخابات الرئاسية المقررة عام ٢٠٢٣، وهو الأمر الذي تستثمره المعارضة التركية التي تبدو وفق كل المؤشرات أفضل حالاً مع كل مصيبة تحلّ بأردوغان الذي سعى لتخوينها وشرذمتها على مدى أعوام سابقة.

ومن أبرز الصور على الصعيد الخارجي التي يسعى أردوغان لإحداثها، هو إقدام نظامه على السماح لأقلية الإيغور الصينية، وما يُسمّى “الحزب التركستاني” للتظاهر في تركيا بشكل ليس الأول من نوعه، فلطالما وظف أردوغان هؤلاء لتحقيق أهداف وغايات عسكرية وسياسية، واليوم يسعى لأهداف اقتصادية.

فبعدما استغل أردوغان في السابق وجود هذه الأقلية من الأيغور على الأراضي التركية للاتصال بأقاربهم واستقدامهم للقتال في سورية، وما تلا ذلك من تغييرات ديموغرافية في إدلب، مازالت مفاعيلها حتى اليوم مستمرة من خلال تعزيز وجودهم في الشمال السوري.

يطلق أردوغان العنان والحريات لهؤلاء للتظاهر في ساحات اسطنبول، في حين يقمع شعبه ويزيد من تضييق الخناق عليه، والهدف من ذلك الضغط على الصين لاستعجال توقيع اتفاقيات اقتصادية مع تركيا على غرار الاتفاقيات الاستراتيجية مع إيران في ظل تراجع غير مسبوق لليرة التركية في ظل عهد حزب العدالة والتنمية، وتراجع مقدار قيمتها ٥٠% منذ بداية العام الحالي أمام الدولار. وهو في الوقت نفسه يسعى لمصالحة مصر للانفتاح على السعودية، وكان قبل ذلك عقد اتفاقيات مع الإمارات بهدف تحسين الوضع الاقتصادي التركي.

تركيا اليوم تقطف ثمار سياسات أردوغان الرعناء على مدى عقد من الزمن، وليس مستغرباً أبداً أن تكون هذه السياسات هي سبب لنهاية حياة أردوغان السياسية خلال العام القادم.