مع اقتراب نهاية العام.. هوس التنبؤات الفلكية يتزايد والظرف المعيشي يبحث عن انفراجات!
يبحثون عن التفاؤل، ويمسكون بأبواب الأمل، مطلقين تساؤلاتهم مع نهاية كل عام واقتراب عام جديد، ماذا ينتظرنا؟!.. مهما كانت إجابات ما يبحث السوريون عنه كغيرهم من الناس، لكنها حتماً لن تكون في جعبة العرافين بالجزم بما هو آت، أو معرفة علم الغيب، كما يدعون على صفحاتهم الكثيرة التي تغزو مواقع التواصل الاجتماعي ومنصات الإعلام دون حسيب أو رقيب، وتتضاعف مع نهاية كل عام لعشرات بل مئات المنجمين والعرافين الذين يطلقون توقعاتهم بصيغة تأخذ أحياناً حالة التنبؤ والتبصير والجزم، وفي الواقع تبدو تحليلاتهم في كثير من الأحيان سيئة ورديئة للغاية، لا بل ومثيرة للضحك بطريقة عرضها واستعراضها من قبل أولئك المنجمين ومدّعي المعرفة بالغيب، خاصة حين يشعر أولئك بالحرج في تقديم الإجابة عن تفصيلات معينة تفسر توقعاتهم، أو تطالبهم بدقة أكثر في تحديد المقصود منها!.
أولويات معيشية
أياً تكن نسبة القناعة والتبني لآراء أولئك المنجمين، والميل إلى تصديق أحدهم، أو متابعة توقعاته وقراءته للأبراج والطالع، فالثابت أن إطلالاتهم باتت حدثاً ثابتاً ومنتظراً عند فئات كثيرة من الجمهور السوري، وطقساً روتينياً في آخر السنة، وتبدو الأولويات المعيشية على قائمة الأسئلة والهواجس التي يسأل عنها الناس، وينتظرون إجابات شافية من “البصارين” حولها، بحثاً عن التفاؤل أو هروباً من الواقع ربما، في حين يعزف العرافون على وتر تلك الأولويات ليتضخم أثرهم، خاصة حين تستخدمهم بعض قنوات الإعلام لزيادة نسبة مشاهديها، ويستخدمونها بدورهم لصناعة أسماء فلكية رنانة، لكل منها طقوسه وطرائقه التي لا تستند إلى العلم والمعرفة بقدر ما تعتمد على البهرجة والاستعراض والفراسة في تقديم التوقعات وقراءة الأحداث والشخصيات.
تأثير ملموس
يبدو أثر تلك التوقعات التي ترافقنا مع إطلالة كل عام ملحوظاً وملموساً عند الكثير من الأشخاص الذي يتابعون بقصد أو بغير قصد أولئك المنجمين المنتشرين على منصات التواصل، ويحظون بآلاف المتابعين، فمثلاً يبدي وسيم، وهو شاب بالغ من العمر 27 عاماً، قلقه وتوجسه من توقع سلبي قدمه له مؤخراً أحد المنجمين حين سأله عن احتمالية السفر هذا العام فأجابه بالنفي، مؤكداً له أن نسبة الحظ التي قُدرت له هذا العام في برجه هي 5% فقط من كعكة الأبراج التي قسمها بحسب دراساته الفلكية، ورغم أن الشاب لا يؤمن بتلك الأبراج والتوقعات ولا يتابعها إلا للتسلية والتندر، إلا أنه بدا شديد الاستياء من ذلك التوقع.
في المقابل تحذر رنا، وهي ربة منزل، جارتها من أحداث سيئة قد ترافق برجها مع بداية العام بحسب التوقعات التي شاهدتها على صفحة أحد العرافين، لكنها تعود لتبشرها بانفراجات قادمة بعد انقضاء تلك الفترة، ورغم أن معظم من تتحدث إليهم يبدون عدم اقتناع أو اهتمام بموضوع أثر تلك التوقعات، وما يحمله لهم الطالع أو الحظ المرتبط بأبراجهم، إلا أنهم مستمرون بمتابعتهم واهتمامهم بما يخفيه طالعهم، خاصة مع بداية العام، الذي يبدو بعكس ذلك، وهو ما تؤكده آراؤهم المستطلعة، وتقف فئة أخرى من الناس موقف المعارضة لتك الحالة فتؤكد أن البحث عن التوقعات هو هروب من الواقع وتخاذل عن العمل والسعي أياً تكن الظروف.
فئات متباينة
ويربط الدكتور مهند إبراهيم، /اختصاصي علم النفس والمدرّس في كلية التربية بجامعة البعث/، موضوع الإيمان بالغيبيات وتأثيرها على أسلوب الحياة عند الكثيرين من أفراد المجتمع بمسألة الجهل والمستوى الثقافي المتدني، ونقص القاعدة العلمية مقابل اعتماد أسلوب الإيحاء للآخرين من قبل المنجم أو المبصر أو قارئ الغيب، ويضيف: يقسم الناس عموماً في هذا الموضوع إلى فئتين: فئة أولى تضم الأشخاص الذين لديهم مركز ضبط داخلي يعتمدون من خلاله على أنفسهم، وكل شيء يحدث في يومياتهم يعتقدون أنه ناتج عن سلوكهم وتصرفاتهم وردود أفعالهم، وهؤلاء أشخاص واقعيون من الصعب أن تؤثر علوم الغيبيات المختلفة على قناعتهم أو تبدّلها، أما الفئة الثانية فهم الأشخاص الذين يكون مركز الضبط لديهم خارجياً، أي لديهم تعويل على العوامل الخارجية والغيبيات، وهؤلاء يكون من السهل التأثير عليهم نفسياً، وغالباً يكونون قد تعرّضوا للكثير من خيبات الأمل أو الإحباط أو الصدمات النفسية في واقعهم، وهذا ما يمكن تفسيره أيضاً بزيادة الإقبال على هذه العلوم في ظروف الأزمات، ويمكن القول أيضاً إنه من المهم جداً التمييز وعدم الخلط بين العلوم المعروفة كعلم الفلك القائم على أشياء واقعية، وعلوم التنجيم التي تعتمد الغيبيات وأساليب الخدع النفسية والإيحاءات المختلفة التي يتقنها المبصرون.
ضعف السيطرة
تفسير آخر يقدمه الخبير الاجتماعي والباحث في علم النفس كنان الشيخ الذي يرى أن تعلّق الإنسان بالغيبيات يعود لعدة أسباب، منها اعتقاد الإنسان أنه غير قادر على السيطرة على تفاصيل حياته، وبالتالي الحياة تخضع لقوة غيبية، فيحرر نفسه من السيطرة وينسبها إلى تلك القوى، وبالتالي يحرر نفسه من مسؤوليته في عالم الواقع، أو قد يواجه الإنسان ظروفاً صعبة لا يمكنه السيطرة عليها مع أنه يرغب في حلها وتفسيرها فيلجأ إلى هذه القوى الغيبية لعله يجد التفسير، ويضيف: يری علم النفس أنه بالإمكان قطعاً العيش دون أفكار عالم الغيب، وذلك بعد استبدالها بالمنطق والنضوج وقدرة احتمال الواقع، لكنه في المقابل يری أن البشر لن تتخلی قريباً وربما أبداً عن عالم الغيبيات، خاصة لأهميته، وللمساعدة التي يقدمها في تلك البقاع من الأرض التي يسود فيها الظلم والحرب والموت، وأية محاولة لإدخال المنطق سوف تقابل بالرفض والاستنكار، لهذا السبب يتوجب النظر لحاجة الإنسان للغيبيات بعين الاحترام والتواضع، ولكن من الضروري إلقاء الضوء علی الحالات التي يستعمل فيها بعض البشر هذه الأفكار للتسبب بالأذى والتحرر من المسؤولية، أو لاكتساب السيطرة.
فراسة وتحايل
ويؤكد الشيخ أن الكثير من المنجمين هم في الحقيقة متمرسون في علم الفراسة أكثر من مهارتهم في معرفة الغيب أو التنبؤ به، ويشرح علم الفراسة الذي يعد من العلوم الطبيعية التي تمكّن من معرفة بواطن الناس من خلال النظر إلى أحوالهم الظاهرة عن طريق الألوان والأشكال والحركات والتأمل في الأعضاء، والفراسة مصطلح شامل ولا يختص بعلم معين، فهناك فراسة الأثر أو ما يسمى بـالقيافة، وهي تتبع آثار الأقدام على التراب، وفراسة الريافة التي تتم من خلالها معرفة مصادر المياه وأماكن الحيوانات والنبات، أما الأنواع التي تختص بالبشر فهي متعددة ومتداخلة أيضاً ولها أشكال كثيرة، تأتي في طليعتها فراسة القيافة التي تؤدي إلى معرفة الناس بمجرد النظر إلى بشرتهم وملامحهم وبنية أجسادهم، وحالياً ظهرت الكثير من الدراسات والبحوث في علم الفراسة الخاص بالبشر وتحليل شخصياتهم كفراسة الوجوه أو ما يسمى “بـالفيزيونومي”، وفراسة الإيماءات والحركات الذي تتفرع منه فراسة الإحساس بالنبرات والهيئات، وفراسة خط اليد أو الكتابة اليدوية، إضافة إلى فراسة الألوان.
بالمختصر، لا بد من تغليب لغة المنطق والعقل، ونشر ثقافة التفكير، والبحث في مجتمعنا بدلاً من ثقافة الغيب والتنجيم، وكما يقال دائماً: “كذب المنجمون ولو صدقوا”.
محمد محمود