ندوات حوارية ضمن الأيام التشكيلية في جامعة دمشق
ضمن احتفالية الأيام التشكيلية السورية، أقامت كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق ندوتين حواريتين: الأولى حول العمارة مستضيفة الدكتور المعمار طلال عقيلي، والثانية حول الصورة والوعي بمشاركة الناقد والإعلامي سعد القاسم والدكتور الفنان عبد الناصر ونوس، بحضور عميد كلية الفنون الدكتور إحسان العر ومدير الفنون الجميلة الفنان عماد كسحوت وعدد من أساتذة الكلية والطلبة والفنانين.
وأدارت الحوار الدكتورة سوسن الزعبي رئيسة قسم الاتصالات البصرية في كلية الفنون الجميلة، والتي قدمت تعريفاً بعنوان الندوة ومحاورها التي استهلها سعد القاسم بتقديم عرض طويل عن اللوحة والأثر البصري منذ بداية رسوم الكهوف التي يعود بعضها إلى أكثر من 30 ألف عام، عارضاً لبعض هذه الآثار وصولاً إلى مراحل التصوير والنحت الأوروبي، مقدماً موجزاً تاريخياً رافقه عرض لهذه الأعمال الفنية ودلالاتها وأسباب إنتاجها، وصولاً إلى ظهور فن البوستر أو الملصق الإعلاني الذي لعب دوراً كبيراً في تشكل ذهنية محدّدة عند الجمهور ومشاركاً في الفعل السياسي والجماهيري، وقدّم القاسم أمثلة كثيرة مستنداً إلى أرشيف واسع غنيّ بالأعمال الفنية والمنحوتات والملصقات مدافعاً عن فكرته الأساس أن الصورة أكثر بلاغة من الكلمة وقد تكون هي بداية التعبير والتواصل الإنساني، وأن اللوحة هي موقف وتاريخ مرآة وعي من جانب آخر.
وتحدث الفنان الدكتور عبد الناصر ونوس عن تأثير الميديا في خلق الصورة وإنتاج الوعي الجديد، وأن الضرورة تقتضي منا دراسة القطاعات التي تنتج وتشكل الصورة وصولاً إلى القطاع المستهدف من هذه الصورة، وقسّم الموضوع إلى مفاصل عديدة منها أدوات إنتاج الصورة، وتقنياتها ومستخدميها ومتلقيها وسياسة تأثيرها والأهداف، وأكد ضرورة الاهتمام بالشريحة الأهم من المجتمع وهي الشباب التي تشكل قوة عمل ومستقبل مؤثرة ومنتجة. وأوضح ونوس أن للصورة والإعلام الحالي تأثيراً واسعاً وسريعاً بحكم التقنيات المتوفرة والتي أزاحت الطرق التقليدية من الأدوات وخاصة في مجال الإعلام، وضرب أمثلة عديدة تركزت حول الإعلام الفردي الذي أضحى أوسع انتشاراً من بعض المؤسّسات وأكثر احترافية وتحرراً من رأس المال ونظم التعبئة التقليدية، وأكد أن هناك وعياً جديداً فرضته متطلبات تقنية استطاعت تجاوز الحدود الجغرافية، وتخطّى البعض منها مسائل الهويات الوطنية.
في اليوم الثاني استضافت كلية الفنون الدكتور المعمار طلال عقيلي، وهو رجل موسوعي تحدث بعلمية فائضة، وقد حاوره على المنصة الناقد القاسم والدكتورة الزعبي حيث غلب على الحوار طابع الشفافية وحسّ المسؤولية تجاه مسألة الهوية المعمارية للمدينة وخاصة دمشق التي تعتبر من أقدم عواصم الدنيا بتأكيد الآثاريين، وما حصل لهذه المدينة خلال سبعين عاماً من تغيير في معالمها العمرانية شيء لم يسبق له مثيل في أي مدينة تاريخية أخرى في العالم، وطالب المعمار عقيلي بإعادة النظر في المناهج الجامعية الخاصة بالفنون والعمارة، وأكد أن المعماري هو فنان بالدرجة الأولى وعارف بإمكانيات استخدام المواد المحلية وما ينتج من مواد جديدة تتطلبها عملية العمران وطالب بمشاركة مختلف القطاعات المجتمعية لجهة إعادة الإعمار وليس المطلوب إعادة بناء فقط في المستقبل، كما أوضح أهمية الربط بين التاريخ والحاضر لنتمكّن من صناعة المستقبل الذي يقتضي معايشته من الآن بروح منفتحة وأصيلة ومواكبة، وأشار إلى أن الليبرالية الجديدة التي تجتاح العالم وخاصة في المجال المعماري قد أنتجت قبحاً ولا يمكن مواجهتها دون مشاريع جمالية بمشاركة أبناء المجتمع معززين بهوية متطلعة لمستقبل وحضارة، وأن المدينة التي نبنيها ستربينا وتؤلف نظماً أخلاقية بالضرورة على عكس تلك التشوهات المستوردة من عالم مسيطر بقسوة على الذوق والجمال.
عكست هذه الندوات الحوارية تطلعاً واضحاً عند المشاركين نحو جعل الفنون الجميلة حاضرة في إنتاج المستقبل بفعلها الجمالي الذي يعزّز قيم الإنسانية والحب في مواجهة خراب العالم، وقد أوصى المشاركون بإقامة ورشات العمل العلمية بفاعلية يتشارك فيها أهل الإبداع من فنانين تشكيليين ومعماريين وأدباء ومثقفين في مناخ حواري منتج، وقد كانت الأيام التشكيلية السورية التي تضمّنت معارض وندوات ومسابقات وحوارات منصة واسعة قلما تحصل في أي مكان آخر.
أكسم طلاع