وسائل الإعلام الأمريكية تسخر من بايدن
محمد نادر العمري
من المؤكد والملاحظ في آن معاً أن العنوان الأبرز للقاء الافتراضي بين الرئيسين فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي جو بايدن، يمكن الاكتفاء بوصفه بأنه أقرب للتشدّد الأمريكي اللفظي، واستعراض العضلات عبر التهديد بالعقوبات الاقتصادية القاسية، في سياق محادثات وصفتها وسائل الإعلام العالمية عامة والأمريكية خاصة بأنها قمة معالجة ملفات “عالية المخاطر”، ولاسيما ما يتصل بمسألة أوكرانيا التي أخذت الحيّز الأكبر من الحديث ومن التغطية الإعلامية الموجهة، قبيل وأثناء وبعد الحدث.
والسؤال الذي يبرز هنا: لماذا كل هذا التشدد في الموقف والحديث الأمريكي العلني والصريح تزامناً مع التلويح بدائرة واسعة من العقوبات؟.
أولاً: وضمن الإجابة في صلب هذا السياق، فإن مظاهر التشدد الأمريكي كانت واضحة ومقصودة، سواء في المضمون الذي أصبح معروفاً، أو في الشكل وهو ما تجلى في اختيار إطلالة بايدن في هذا اللقاء من “غرفة العمليات” في البيت الأبيض وهي “القاعة التي تشرف منها الإدارة الأمريكية على العمليات العسكرية الحساسة”، وتلك رسالة لا تحتاج لتفسير.
ثانياً: هناك نوع من الدعاية التي تروجها الإدارة الحالية أمام الرأي العام العالمي وأنظمة الحظيرة الدولية التي ما زالت في غالبيتها تميل نحو الاقتناع بهيمنة أميركا.
ثالثاً: وهو من الأهداف الجيوستراتيجية التي تسعى لها واشنطن من خلف هذا التشدد في الموقف والتهديد، والذي يكمن في مسعى أميركا لجر أوروبا لحرب بالوكالة مع روسيا وتأزيم علاقات الجوار وتأزيم مواجع وذكريات حدود الجبهات التي شهدتها الساحة الأوروبية أثناء الحرب العالمية الثانية وفي حقبة الحرب الباردة.
غير أن الواقع والمعطيات السابقة تشير إلى أن هذا التشدد ناجم عن ضيق الخيارات الاستراتيجية المتاحة لرئيس يعاني بصورة حادة من تراجع ملموس في شعبيته على المستوى الداخلي نتيجة عوامل ذاتية تتعلق بشخصيته الضعيفة وبإدارته غير المنسجمة، وظروف موضوعية تتعلق بحجم الإرث العالمي الكبير والمزعج الذي تركه له سلفه دونالد ترامب والذي يتجاوز المسألة الأوكرانية ليشمل العالم بأسره، من حلفاء ضعيفة الثقة بأميركا وازدياد دائرة الأعداء، ونظام دولي بات في حالة مخاض نتيجة انهيار الأحادية القطبية.
وهذا الواقع، أي ضعف شخصية القيادة والإرث المتراكم وضيق الخيارات في الحفاظ على الدور الأمريكي ومواجهة الخصوم، شكل أسباباً بنيوية دفعت وسائل الإعلام الأمريكية الكبرى لوصف رئيس أكبر دولة في العالم بـ”جو المسكين”، فالرجل وفق التحليلات السيكولوجية يعاني من اضطراب داخلي لم يستطع اخفاءه أثناء لقاءاته الافتراضية مع نظيره الصيني والروسي على التوالي. وتفسر وسائل الإعلام أن استطلاعات الرأي التي تمنحه أقل من 40% من التأييد الشعبي، تعود لتراجع لياقته الجسدية وصحته الذهنية الواضحين وهما نقطتان سلبيتان كان ترامب أول من نوه لهما ولاحظهما أثناء المناظرات التلفزيونية الانتخابية. وهي عكس الصورة التي نجح الرئيس الديمقراطي باراك اوباما في إظهارها أثناء ولايته من خلال كاريزميته الشخصية ووعوده البراقة، ودبلوماسيته المنمقة، وبذلك استقطب الناخبين البيض داخل حزبه.
ومن أبرز الصور التي توضح حجم ضعف المقدرة الشخصية لـ بايدن عدم قدرته على ترجمة وتطبيق وعوده التي قدمها بمحاربته لوباء كورونا ومحاصرتها، حتى بدت وكأنها تحاصره وتحاصر العالم بأسره بمتحورها الجديد.
كما أن تأثير فاعلية سياسته على حلفائه لم يعد على درجة مؤثرة، وهذا برز في عدم قدرة واشنطن على دفع السعودية لزيادة معروضها النفطي، بل اتفقت مع روسيا على تقليل الكمية لتحسين الدخل القومي المستنزف.
كما أن الأمر لا يتوقف على ذلك فـ”جو المسكين” -على حدّ وصف الإعلام الأمريكي- تلقى ضربة أخرى تحت الحزام من نائبه، كمالا هاريس، التي فشلت في القيام بدورها المحدّد، بحكم منصبها، كمعين له في استدرار الشعبية الداخلية وتجميعها، بعد أن كشفت إطلالاتها كلها عن افتقادها شبه الكامل للقدرة القيادية والكاريزما الشخصية والمعرفة والفهم السياسيين المناسبين لأحوال العالم المعقدة، وغيرها من قضايا مؤثرة جداً.
والحال، فإن البعض من المتخصصين في العلاقات الدولية قد يقول هذه مشكلات وقضايا داخلية وهذا صحيح، لكنها في حالة الولايات المتحدة التي توصف بإمبراطورية روما العصور الحديثة تواجه مشكلات خارجية تنعكس على الوضع الداخلي والمقاربة العكسية تنطبق تماماً.
إذاً فإن الضعف الداخلي للرئيس وإرثه من المشكلات سيدفعه للتشدد خارجياً بحثاً عن أي نصر أو إنجاز يقدمه للداخل، وهو ما دفعه لاستعراض العضلات في تقديمه للبالونات التهديدية في لقائه مع بوتين.