الصدمة الجيوسياسية تقترب
هيفاء علي
في نظام عالمي يشهد تغييراً سريعاً، تندرج السيناريوهات التي تبدو وكأنها سياقات منفصلة في الفئة نفسها، فالقوى الصاعدة مثل الصين وروسيا وإيران تملي شروطها وتضع خطوطاً حمراء جديدة بمرور الوقت مع تصاعد حدة الأزمة الأوكرانية. في حين أن “الصقور” في الولايات المتحدة وأوروبا لم يرفعوا الراية البيضاء، وأوكرانيا سلاح جيد للغاية بالنسبة لاحتياجاتهم، ولا يمكن إهمالها، بينما الخطاب المناهض لروسيا آخذ في الازدياد.
ومع ذلك، فإن التركيز الأخير على الأزمة الأوكرانية، والآن على القضية النووية الإيرانية يصرف الانتباه تماماً عن جوهر الأزمة الجيواستراتيجية الأوسع، والنقطة المهمة هي وجود ثلاثة ألغام جاهزة للانفجار: أوكرانيا، وتايوان، والاتفاق المتعثر لخطة العمل الشاملة المشتركة، والذي يثير الآن قلقاً لا يوصف في تل أبيب، مصحوباً بتهديدات بعمل عسكري ضد إيران. ولكن من حق الصين وروسيا وإيران (وآخرون) وضع خطوط حمراء لمصالحهم الأمنية الخاصة، من أجل حماية ساحاتهم الخلفية.
في المقابل، تحاول الولايات المتحدة في الوقت نفسه الحفاظ على النظام القديم القائم على أحادية القطب مع إطلاق تحولها الكبير “للنظام” حيث سيشهد الغرب ليس فقط “قواعد الطريق” ولكن أيضاً المعايير والأطر التنظيمية والتدابير والبروتوكولات التكنولوجية التي تحكم الحياة حول العالم.
في السياق، تعكس “الحرب على الإرهاب”، و “الحرب على الشعبوية” ونشر هذا الشكل الاستبدادي الجديد نقطة انعطاف، حيث من المسلم به أن الصورة الكبيرة قد فشلت وأنها تتطلب الآن إعادة هندسة جذرية بسبب العالم المتغير، إذا أراد الغرب البقاء كمنظم.
على الصعيد الخارجي، يواجه النظام الذي تقوده الولايات المتحدة نوعاً من “أخبار” ما بعد الحرب بعدما أعلنت إيران في فيينا عن “خطوطها الحمراء”: لا مناقشة للصواريخ الباليستية الإيرانية، ولا مناقشة لدور إيران الإقليمي، ولا تجميد لتخصيب اليورانيوم طالما لم يتم الاتفاق على آلية رفع العقوبات وضمان عدم تكرارها.
الموقف الإيراني مطابق في هيكله للموقف الروسي تجاه الولايات المتحدة، ففيما يتعلق بأوكرانيا طلب بوتين من واشنطن أن يتم الاعتراف رسمياً بالمصالح و”الخطوط الحمراء” وقبولها من الناحية القانونية، وعقد اتفاقيات ملزمة فيما يتعلق بأمن روسيا في أوروبا الشرقية، والمطالبة المطلقة بفرض حظر على أي زحف إضافي لحلف شمال الأطلسي في الشرق، واستخدام حق النقض ضد أي بنية تحتية للناتو يتم تصديرها إلى أوكرانيا. وكذلك تستخدم الصين صيغة مماثلة مع الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بتايوان.
وبحسب المحللين الأوربيين، فمن الواضح أن القوى الثلاث منسقة استراتيجياً وسياسياً وربما عسكرياً أيضاً، وللمرة الأولى تملي دول أخرى على الغرب مكونات الهيكل الأمني، وتحدّد خطوطها الحمراء، بدلاً من “إملاء” كيفية التوافق مع الخطوط الحمراء الأيديولوجية الأمريكية والغربية.
وعليه، من المحتمل أن يكون هذا الشتاء قاسياً، حيث يمكن أن تنفجر أي من هذه الأزمات الجيوسياسية الثلاث في أي وقت، ولأن الطبقة السياسية الأمريكية بحاجة إلى أن تكون قادرة على الحد من الوباء قبل فترة طويلة من انتخابات التجديد النصفي الأمريكية التي يمكن أن تشهد عودة خصمهم اللدود زعيماً شعبوياً في الكونغرس، إلا أن هناك الكثير في أمريكا والعالم على حد سواء ممن يريدون ببساطة العودة إلى الوضع “الطبيعي” لكنهم لا يستطيعون.
في الواقع تم تصميم مشروع “إعادة التعيين الكبرى” حول عناصر متزامنة من الرسائل الإيديولوجية والثقافية، بهدف القضاء على أي شعور انحراف من شأنه أن يندمج في ما يسمّونه باستخفاف الشعبوية، لكن الانضباط والامتثال الأيديولوجي الكامل هي الرسالة التي أخذوها من تجربة ترامب.
وبحسب المحللين الأوربيين، فإن “الصدمة” تقترب، وسيتم تشغيل زر “الخوف” بالكامل ضد غير الملقحين لأنهم يخشون التمرد المتزايد في الولايات المتحدة والاستقطاب الاجتماعي في أوروبا، ولأنهم يخشون من حقيقة أن إيران وروسيا والصين قد أفلتت بالفعل من قبضتهم.