تحقيقاتصحيفة البعث

انتشار مجموعات غير خبيرة لتقليم الأشجار في السويداء والمختصون يحذرون!

“الحمل بالمقراط” مثل شعبي معروف عند مزارعي محافظة السويداء، ولكن ماذا لو كان هذا “المقراط” لا تمسك به يد خبيرة؟ لا شك أن المواسم ستكون خاسرة لمعظم المحاصيل الرئيسية في السويداء كالتفاح والعنب والزيتون، ففي هذه الأيام تبدأ دورات زراعية جديدة منطلقها الأساسي عمليات التقليم والتي تعتبر أساس عملية الإنتاج، وهنا تبرز العديد من المشكلات في هذه العملية كاعتمادها على أشخاص غير مختصين، الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات حول الأثر السلبي للتقليم العشوائي ودور الجهات المختصة في الحدّ من هذه الظاهرة السلبية.

مجموعات تقليم

المطلع على الواقع الزراعي في السويداء يلاحظ أن موسم تقليم الأشجار تحول إلى حرفة يعمل بها عدد ليس بالقليل، حيث لم تعد حكراً على المهندسين الزراعيين أصحاب الاختصاص، وبذلك باتت مصدر دخل مهماً لعدد كببر من الأشخاص  الذين شكلوا مجموعات فيما بينهم، حيث يمارسون عملية التقليم بشكل جماعي ويجولون على كافة أراضي المحافظة، وبات لهم زبائن من الفلاحين يتعاملون معهم، ويشير أحدهم إلى أن التقليم فرصة عمل موسمية توفر دخلاً مقبولاً، حيث تبلغ أجرة الساعة بحدود الـ3000 ليرة وأحياناً أكثر حسب المنطقة ونوع الأشجار.

والمشكلة في عمل تلك المجموعات أن بعضها قد يمتلك الخبرة، لكن بعضها الآخر دخيل على “الصنعة” إن صح التعبير، حيث يتسبّب بمشكلة تأخر نمو وإثمار الأشجار، وهذا ما يلاحظ من شكوى بعض المزارعين الذين وقعوا ضحية لهؤلاء المتعدين على المهنة!.

أحد أفراد تلك المجموعات لم ينفِ وجود البعض منهم ممن لا يمتلكون الخبرة، لكنه أكد أن الغالبية من أفراد المجموعات عندها الخبرة الكافية التي توارثتها عبر سنوات من العمل في الزراعة، بل بعضهم يعملون كمزارعين أباً عن جد، وبعضهم يعتبر نفسه “نصف مهندس زراعي” بما يمتلكه من خبرة في التقليم.

نقص في الخبرات

بالتأكيد لسنا هنا في وارد قطع الأرزاق لمن يعمل في التقليم من قبل أفراد تلك المجموعات، سواء أكان خبيراً أم دخيلاً، لكن الهدف هو الإشارة إلى أهمية الاعتماد على كوادر مدربة من أجل الوصول إلى إنتاج مميز، فمجموعات التقليم في معظمها ليست لديها الخبرة الفنية الكافية كما يقول المهندس عصام حذيفة أمين سر نقابة المهندسين الزراعيين في السويداء، وقد يكون هناك شخص أو اثنان في المجموعة من أصحاب الخبرة والبقية ليسوا كذلك.

وبيّن حذيفة  أن المشكلة الأساسية هي نقص الخبرات في المحافظة، حيث يوجد فقط نحو ١٠٠ مهندس يقومون بعمليات التقليم، وبالتالي يجب الاهتمام بعمليات تأهيل وتدريب أيادٍ خبيرة وذلك من خلال إقامة دورات تدريبية من قبل المنظمات والهيئات كمديربة الزراعة واتحاد الفلاحين لتأهيل وتدريب خبرات جديدة وإدخالها سوق الإنتاج لما لذلك من أهمية في تحسين الإنتاج نوعاً وكماً.

مشكلات متعددة

قد يكون لوجود الروزنامة الزراعية ونشرها أهمية كبيرة في هذا المجال لجهة تحديد مواعيد تقليم الأشجار بما يناسب نوعها وصنفها وبيئتها، وهنا يشير نقيب المهندسين الزراعيين في السويداء المهندس عادل الجرماني إلى أن التبكير في عملية التقليم، يحرم الأشجار من كميات من المواد الغذائية الاحتياطية، مؤكداً بدوره أن أهم مشكلات التقليم في المحافظة هي عدم توفر اليد العاملة الفنية والخبيرة وإجراء التقليم من قبل مجموعات غير مدربة، ما يعكس حالة من التقليم غير المتوازن (نمو خضري أعلى من النمو الثمري) أو العكس، وذلك ناتج عن اتباع طرق تربية غير صحيحة وعشوائية وعدم التقيد بالمواعيد الصحيحة لإجراء عملية التقليم.

وبيّن الجرماني أن مجموعات التقليم الوافدة إلى المحافظة، وخاصة تلك التي تعمل بتقليم الزيتون يطبقون الطرق الملائمة لمناطقهم، لكن في مناطق أخرى لا ينجحون نظراً لاختلاف نوعية التربة والمناخ ونظام الري، ولكل ذلك خصائص منفردة في عمليات التقليم، والأخطر –برأيه- أن التقليم المبكر الذي تقوم به تلك المجموعات يساهم في حرمان الشجرة من العناصر المتكونة في الأوراق، وخاصة إذا تمت عمليات التقليم في غير مواعيدها الصحيحة، فتقليم التفاح مثلاً يبدأ بعد سقوط آخر ورقة بثلاثة أسابيع وليس بعد قطف آخر حبة تفاح بثلاثة أيام.

دورات تدريبية

ولاشك أن الجهة الأقدر على تحمّل مسؤولية تأهيل وتدريب الكوادر الفلاحية هي معهد الإعداد الفلاحي بالسويداء الذي أخذ على عاتقه عملية نشر التربية الزراعية بين أوساط الفلاحين بطرق علمية مدروسة لكل ما يتعلق بالعملية الزراعية لأي محصول كان، ويؤكد ذلك مدير المعهد المهندس عصام مداح بقوله: إن التقليم من أهم العمليات الزراعية وعليه تتوقف جودة الإنتاج كماً ونوعاً مع الأخذ بعين الاعتبار العوامل الأخرى، مشيراً إلى أن أغلب الفلاحين لا يعيرون أهمية كافية لعمليات تقليم التربية “تربية الغراس” التي يجب أن تتم بخبرة ودراية كافية لأنها مهمة في تكوين هيكل شجرة قوي يستطيع أن يقوم بحمل الثمار بشكل متوازن، موضحاً أن عملية تقليم الإثمار (المرحلة التي تأتي فيما بعد) تحتاج إلى معرفة دقيقة بطبيعة إثمار كل نوع من الأشجار المراد تقليمها، علي سبيل المثال – يقول مداح – شجرة الزيتون تحمل على نمو بعمر سنة وأياً كان موقع النمو في الشجرة فإن الحمل الجيد يكون على الفروع الخارجية وإن حمل الفروع الداخلية أقل جودة فيها، وكذلك شجرة الكرمة فإن الحمل فيها يتمّ على نموات بعمر سنة شريطة أن تكون محمولة على خشب عمره لا يتجاوز السنتين، وبالتالي فإن عدم معرفة طبيعة الإثمار لكل صنف من الأشجار قد يؤدي إلى خسارة جزء من المحصول.

وبيّن مدير المعهد الفلاحي أن الهدف من تقليم الأشجار هو توفير توازن بين النمو الخضري والنمو الجذري وتوزيع الإثمار على كافة أنحاء الشجرة وعلى العمر الإنتاجي للشجرة بحيث إذا توفرت الظروف المناسبة أن تحمل الشجرة سنوياً بشكل متوازن، مبيناً –على سبيل المثال- أن عدم التقليم المتوازن في شجرة الزيتون سبب رئيسي من أسباب ظاهرة “المعاومة” بمعنى سنة يكون فيها الحمل غزيراً وسنة حملها يكون ضعيفاً، أو لا حمل.

وحول دور المعهد في تدريب الفلاحين على عمليات التقليم قال: إن الهدف هو  الوصول إلى مختصين في هذا المجال من خلال تعليم الفلاحين التقليم والتطعيم بشكل صحيح من خلال تطبيق عملي في المزارع.

بالمختصر، قد يكون من الصعب المطالبة بمنع المزارعين من تقليم أشجارهم، خاصة وأن معظمهم أصبح لديه الخبرة في ذلك إلا أن توعيتهم بأهمية اتباع دورات تثقيفية في المعهد المذكور أمر مهم يقع على عاتق الجمعيات الفلاحية، خاصة وأنه ثبت أن عدم الخبرة في التقليم كما أشار المختصون تحرم المزارع من كميات إنتاج إضافية كماً ونوعاً يمكن أن تخفّف من فاتورة تكاليف الإنتاج، حيث يشتكي المزارعون دائماً من ارتفاعها وهنا يكون للتدريب والتأهيل أهمية قصوى في هذا المجال من خلال زج خبرات موثوقة في الإشراف والرعاية للمحاصيل الزراعية.

رفعت الديك