جذوة التفاؤل
دمشق- بشير فرزان
رغم أن الحديث عن العام الجديد بات مشبعاً بالهواجس والمخاوف بعد أن أثقلته مئات مئات التصريحات الواعدة بالانفراجات المختلفة، فالكهرباء والغاز والمحروقات وكل مايتعلق بتحسّن الواقع المعيشي الاقتصادي أو حتى ينمّ عن حلول نهائية وبداية حقيقية للإعمار ومرحلة بعد الحرب.. جميعها قضايا مؤجلة إلى العام القادم الذي أنهكته الهموم قبل أن يأتي.. إلا أن ذلك لايعني السوداوية المطلقة، فهناك دائماً المزيد من الأمل والعمل لإعادة الحياة إلى مسارها الطبيعي.
وفي نهاية العام الذي يكسر السوريون خلفه ألف جرة كما يقال تترقب الحياة العامة عملاً حكومياً فعالاً عنوانه العريض مضاعفة الجهد والبحث عن أساليب وأدوات عمل جديدة تخفف من وطأة الأزمات على الشارع، بدلاً من الإمعان في محاولات تجميل الواقع والتنقيب عن الإيجابيات وتغييب المصداقية بخطط ليس فيها أي نبض حياتي، وهذا الكلام لايتلاقى مع حملات الاستهداف والإساءة والنيل من هيبة أحد بل هو من وحي الفكر الراقي والمسؤول الذي يرى (أي خلل في الدولة هو فساد، فهدر الأموال العامة وضرب المؤسسات وتراجع نوعية الخدمات المقدمة هي أوجه للفساد تؤدي إلى تعميم ثقافة الإحباط والفوضى وعدم الانضباط لدى المواطنين ما يعني عملياً تفتيت المجتمع)، كما قال السيد الرئيس بشار الأسد.
وهنا لابد من التشدّد في برامج الأولويات، وخاصة تلك التي لم تعرف طريقها بعد إلى أجندة الحل الحكومي، فلا يمكن تجاهل واقع الناس أو الاستمرار في تأجيل المعالجات التي نرى الكثير منها متوفراً لكنه بحاجة إلى إدارات ذات كفاءة وقادرة على العمل والتجاوب مع محنة شعب صمد وضحّى في سبيل بلده، ووجّه رسالة أذهلت العالم بمعنى الانتماء والوطنية والالتفاف حول قيادته، ولذلك لا بد في العام الجديد من مكاشفته بالحقيقة والاعتراف بالواقع والعمل على تفعيل الكثير من القوانين التي غيّبت تحت مظلة وزارة التنمية الإدارية وعدم وجود الاعتمادات المالية، ومنها قانون العاملين الأساسي رقم 50 وقانون التأمينات وتثبيت أكثر من 8500 عامل وعاملة وغيرها من القضايا التي تتأرجح بين الوزارات دون أن تهتدي إلى ساحات التنفيذ والإقلاع نحو أهدافها.
باختصار، لسان حال الجميع يقول: إن ظروف اليوم أصعب من ذي قبل وهناك وعي شعبي لكافة الأحداث الدولية وإدراك تام لقضية تراجع الموارد وارتفاع نسب العجز خلال سنوات الحرب نتيجة التخريب الذي تعرّضت له المنشآت وتوقف نسبة كبيرة منها عن العمل، ولكن ما يحيّر هو إخفاق مساعي السياسة المالية في توجهها نحو إنعاش حياة الناس، والموضوع بواقعية ليس مواطناً وحكومة أو إساءة بل مواجهة بين حياة معيشية منهكة وقصور إجرائي وفكر اقتصادي مترنح استسهل تجربة شدّ أحزمة الإنفاق والتقشف الشعبي والتعليق على مشجب الحرب.. وقد آن الأوان للاستيقاظ والتطبيق الحازم للقوانين دون أية استثناءات.
وللعلم رغم ضنك العيش في هذه الأيام المؤلمة والمشبعة بمرارة الظروف والواقع الاقتصادي والمعيشي الصعب، إلا أن ذلك لم يقف في وجه الأمل والتفاؤل بالأيام القادمة بل زاد من تصميم الناس على ممارسة حياتهم اليومية والاحتفاء بالمناسبات بشتى أنواعها ومنها أعياد الميلاد، وإن كان ذلك في حدوده الدنيا وبأبسط مظاهره التي لا تخلو من التعبير عن أحوال الناس، ولكن في الوقت نفسه دليل واضح على إرادة الحياة الموجودة والتي تشكل جسراً للعبور إلى ضفة الأمان التي سنصل إليها بإذن الله في القريب العاجل.
وفي هذه الأيام المباركة التي تشكل الحدّ الفاصل بين عام مضى بكل معاناته وعام جديد حمّله الناس كل أمانيهم وآمالهم، نعايد على شعبنا الصامد على تخوم السيادة وعلى عائلات شهدائنا الذي صنعوا بدمائهم أملاً دائماً لجميع السوريين، كما نعايد قيادتنا التي تقود المعركة بحكمة وشجاعة ونتمنى أن تحمل الأيام القادمة الخير الوفير وأن يعمّ الأمن والأمان ويعود السلام إلى سورية المنتصرة، وهذا هو عيد الأعياد لنا جميعاً، وكلنا ثقة بالله وبقدرتنا على صنع مستقبلنا، ومهما اشتدت التحديات والمؤامرات سيبقى الصمود عنواناً لحياة الشعب السوري الذي يأبى أن تقتلع من يومياته جذوة التفاؤل والإيمان برمز وحدته المطلقة.
وكل عام وأنتم بخير..