مناورات ايران.. رسالة لأصحاب الرؤوس الحامية
محمد نادر العمري
بالتزامن مع تصعيد التهديدات الصهيونية ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وزيارة مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان إلى “إسرائيل”، أجرت القوات الإيرانية وقوات الحرس الثوري مناورات هي الأكبر من نوعها على مدى ستة أيام تمّ خلالها اختبار جهوزية القدرات الدفاعية الإيرانية ضد أي عدوان محتمل قد تقدم عليه حكومة الاحتلال.
هذه المناورات أظهرت كثافة ونوعية القدرات الصاروخية والجوية والبحرية وحتى التكنولوجية، كما شهدت أول عملية إطلاق لصواريخ من طراز “كروز” الدقيقة والمتوسطة المدى من سفينة حربية، وتنفيذ عمليات جوية للطائرات المسيرة ضمن مناورات “الرسول الأعظم الـ17“.
لقد كانت المناورات مناسبةً لتصعيد دبلوماسي وسياسي عبّر عنه بالدرجة الأولى رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي الذي أعلن أن بلاده سيكون ردّها حازماً وفورياً على أي عدوان صهيوني. كما أكد مساعد قائد سلاح الجو العميد طيار مهدي هاديان أن “السلاح الإيراني يتمتّع بجهوزية دائمة في الدفاع عن البلاد وسيوجّه رداً مدمراً على أي تهديد”، موضحاً أنه تمّ خلال مناورات “الرسول الأعظم” قصف مجسّمات تحاكي مواقع حساسة ومصيرية للكيان الصهيوني في رسالة بالغة الوضوح فيما يتضمنه بنك الأهداف الإيراني في حال حصول أي اختلال في الصراع الحاصل وتدحرجه عسكرياً، لتضمن في الوقت نفسه هذه المناورات قاعدة الصاروخ بالصاروخ والمفاعل النووي بالمفاعل النووي والبادئ سيكون أظلم.
هذا الأمر حذّر منه الوزير الإسرائيلي السابق دانيئيل فريدمان في تغريدة له بالقول: “إن أردنا أن نهاجم إيران فهو كمن يضرب رأسه بالجدار”، ليؤكد في السياق ذاته، وضمن التقارير التي اطلع عليها أثناء وجوده بالحكومة، أنه “ليس لدى إسرائيل الجاهزية لتلقي أكثر من 1000 صاروخ في اليوم، والأفضل لها أن تواصل دسّ رأسها في التراب”، وهو ما يشكّل أحد الاعترافات بعدم جهوزية الداخل الإسرائيلي على الأقل لدفع فاتورة أي مغامرة عسكرية.
وسائل الإعلام الصهيونية تابعت عن كثب هذه المناورات، وخصّصت فترات مطولة ضمن برامجها ونشراتها الإخبارية للحديث عنها، ودلالتها المتعدّدة في سياق ما تشهده المنطقة من تطورات، حيث اعتبرت “القناة الـ 13” الإسرائيلية أنه، وفقاً للتقديرات، أن الإيرانيين من خلال ما برز وظهر في إطار المناورات ناوروا بشكل يوحي بمهاجمة موقع ديمونا، وإطلاق صواريخ نحوه. كما انقسمت المواقف بين من اعتبر أنه يجب النظر إلى هذه التهديدات والتقارير على أنها في إطار الحرب النفسية فقط، أو أنها تندرج ضمن الاستعدادات لمواجهة هجوم محتمل أو خيار عسكري إسرائيلي بردّ موجع وقويّ وسريع.
ويستند دعاة الخيار الثاني إلى تقصّد الإيرانيين، في إطار هذه المناورات، إطلاق طائرات مسيرة استشهادية، وطائرات من دون طيار، في رسالة واضحة للجوء لحرب الاستنزاف إن تطلب الأمر، وهو ما قد لا يستطيع الكيان تحمّله في تصور مشابه لواقع المقاومة الفدائية لليابانيين مع نهاية الحرب العالمية الثانية ضد القوات والأسطول الأمريكي، والفعل البطولي المقاوم للمقاومة في فلسطين وفي لبنان والذي أجبر قوات الاحتلال على الانسحاب من الجنوب اللبناني وقطاع غزة 2005 و2006.
المناورات العسكرية الإيرانية لا تُقرأ فقط من الجانب العسكري، وهو ما يدركه الكيان الصهيوني والأمريكي على حدّ سواء، بل لها أبعاد سياسية ستترك ثقلها على طاولة المباحثات في فيينا دون شك، ومن أبرز هذه المفاعيل أن من يراهن على القوة العسكرية أو العدوان المباشر، أو الحصار الاقتصادي مخطئ، والدليل على ذلك أن الجهوزية العسكرية والقدرات الردعية التي امتلكتها طهران وأظهرتها في المناورات العسكرية الأخيرة لم تأتِ من فراغ، بل بناءً على امتلاك القدرات الذاتية التي ولدت في سياق أقصى العقوبات، وربما كانت نتيجة حتمية للسياسات الغربية، وعلى الجميع إدراك ذلك وفي مقدمتهم أصحاب الرؤوس الحامية في الكيان!.